عند الولادة، يتنفس الطفل حديث الولادة بمعدل من 30 إلى 60 نَفَساً في الدقيقة الواحدة، وينخفض هذا المعدل إلى ما بين 12 إلى 20 نَفَساً فقط لدى الشخص البالغ. ومع كل شهيق، يدخل نصف لتر من الهواء إلى الرئتين، وهو ما يعني أنه بالنسبة للشخص البالغ يدخل ويخرج من الرئتين من ستة إلى عشرة لترات في الدقيقة، أو متوسط 480 لتراً في الساعة الواحدة. ويتكون 78 في المئة من الهواء الذي نتنفسه من غاز النيتروجين الخامل، و15 في المئة من الأوكسجين، و5 في المئة من ثاني أكسيد الكربون، والبقية من غازات أخرى. وغني عن البيان هنا أهمية التنفس في الاستمرار في الحياة، وإنْ كان من الجدير بالذكر أيضاً مدى أهمية نوعية هذا الهواء، أو نقائه وتلوثه، على صعيد الصحة والمرض. ويُعرّف الهواء الملوث غير النقي على أنه الهواء المحتوي على جزيئات وذرات كيماوية أو عضوية، أو غيرها من المركبات والمواد الضارة التي يمكنها أن تتسبب في أمراض، أو حساسية، أو ربما حتى الوفاة للإنسان أو غيره من الكائنات الحية الأخرى من الحيوانات والنباتات. وتتعدد وتتنوع أسباب تلوث الهواء، فبعضها ناتج عن ظواهر طبيعية مثل العواصف الترابية، والنشاطات البركانية، وحرائق الغابات، وإنْ كانت النشاطات البشرية تعتبر هي المسؤول الأول عن تلوث الهواء، خاصة في المدن. وهذا التلوث الناتج عن النشاط البشري، قد يكون من مصادر ثابتة غير متحركة مثل محطات إنتاج الطاقة التي تعتمد على حرق الفحم، أو بقية أنواع الوقود الأحفوري، أو من مصادر متحركة، مثل الأنواع المختلفة عن وسائل المواصلات، بما في ذلك السيارات، والطائرات، والبواخر. وتحتل عوادم السيارات مكانة خاصة على قائمة أسباب تلوث الهواء الخارجي نتيجة احتوائها على كوكتيل من الغازات والمواد الكيماوية السامة التي تدخل إلى مجرى الدم، ومن ثم إلى معظم أعضاء الجسم بعد استنشاقها بفترة قصيرة. وتظهر الأرقام والبيانات علاقة قوية، وارتباطاً شديداً، بين التعرض للهواء الملوث -داخل المنازل وخارجها- وبين الإصابة بأمراض القلب والشرايين، مثل الذبحة الصدرية الناتجة عن مرض الشرايين التاجية المغذية للقلب، والسكتة الدماغية الناتجة عن مرض الشرايين المغذية للمخ، هذا بالإضافة إلى الدور المهم الذي يلعبه تلوث الهواء في الإصابة بالأمراض التنفسية، بما في ذلك العدوى التنفسية الحادة، والانسداد الرئوي المزمن. وحسب دراسة صدرت بداية العام الحالي عن معهد التقييم والقياسات الصحية، التابع لجامعة واشنطن بمدينة سياتل الأميركية، يلقى 5,5 مليون شخص حتفهم سنوياً، بسبب تلوث الهواء، وهو رقم يصل إلى أكثر من 7 ملايين في تقديرات أخرى، أو ما يعادل 12 في المئة من مجمل الوفيات البشرية السنوية. وتلقي الدراسات باللوم خلف هذا العدد الهائل من الوفيات على ما يعرف بالجزيئات الصغيرة المنبعثة من محطات الطاقة والكهرباء، والمصانع، وعوادم السيارات، ومن حرق الفحم والخشب. ويمكن تفسير هذا العدد من الوفيات بناء على نموذج أو دراسة معيارية صدرت الأسبوع الماضي عن منظمة الصحة العالمية، وأظهرت أن 92 في المئة من أفراد الجنس البشري -أي الغالبية العظمى- يعيشون في أماكن ومدن يبلغ مستوى التلوث فيها أعلى من الحدود المسموح بها حسب توصيات المنظمة الدولية. وجسدت المنظمة هذا الواقع المؤسف من خلال خريطة تفاعلية توضح مناطق الخطر بين مناطق العالم المختلفة ودوله، والمدن والقرى داخل هذه الدول، وهو ما سيسمح بمتابعة التقدم، أو التدهور، في نوعية الهواء. وتم الحصول على هذه البيانات والمعلومات، بالتعاون مع جامعة «باث» ببريطانيا، وبالاعتماد على قياسات الأقمار الاصطناعية، ونماذج النقل الجوي، ومحطات الرصد الأرضية في أكثر من 3 آلاف موقع، غطت المناطق المدنية والريفية على حد سواء. وفي ظل حقيقة كون معظم مصادر تلوث الهواء الخارجي تقع خارج نطاق تحكم الأفراد، أو سلوكياتهم الشخصية، فغالباً ما يتطلب التحكم في هذه المصادر تدابير وسياسات من قبل بلديات المدن، وإدارات الصناعات المختلفة، على المستويين الوطني والدولي، وفي قطاعات مختلفة، مثل قطاع النقل، وتوليد الطاقة، وإدارة النفايات، والبناء والتشييد، والقطاع الزراعي. فمن الممكن خفض التلوث الناتج عن الصناعات الثقيلة بقدر كبير، من خلال تطبيق الوسائل التكنولوجية النظيفة، كما يمكن خفض تلوث الهواء من خلال تطوير كيفية إدارة النفايات والمخلفات. وفي قطاع النقل، يمكن إحلال واستبدال سبل المواصلات القديمة، بتقنيات نظيفة لتوليد الطاقة، من خلال الاعتماد على وسائل مواصلات عامة حديثة وسريعة داخل المدن، وعبر إنشاء شبكات وطرق خاصة للدراجات الهوائية، وللمشي، بالإضافة إلى شبكات النقل بالقطارات بين المدن، سواء للبضائع أو للركاب.