آلاف الأبرياء قضوا نحبهم في مختلف أنحاء سوريا. فبعد أن كانت هذه البلاد مهداً للحضارة الإنسانية، بتراثها وتاريخها، أضحت ميداناً للعبة الأمم وتصارع القمم، وقد عجز العرب عن حل هذا اللغز، لذلك قرروا التفرج والانتظار كي يلعب في ساحتهم الكبار بآلياتهم الخفية والجلية. فهناك حرب تراق فيها الدماء تقوم بها عصابات مأجورة تحت رايات متعددة، حزبية منها أو متحررة، وكل حزب بما لديهم فرحون، وهناك حرب واضحة تتصارع فيها أمّم كثيرة، بطائراتها وصواريخها العابرة والقصيرة، لكن الضحايا هم الأبرياء من السوريين الذين سالت دماؤهم الطاهرة أمام الناس وعلى الهواء مباشرة، فكيف نفهم هذا اللغز؟ دول دخلت حرب سوريا بجيوشها وعتادها من أجل مصالحها؛ فروسيا لا تريد فقدان آخر موضع قدم لها في البحر المتوسط، وأميركا لها فرصة ذهبية لتأمين حليفتها الاستراتيجية (إسرائيل)، وإيران لا تريد خسران هلالها الشيعي وقطع طريق الإمدادات إلى «حزب الله» في لبنان، وتركيا وجدت ضالتها في حربها على الأكراد، وإبعادهم قدر المستطاع عن تحقيق حلم دولتهم.. ولكل دولة راية تقاتل باسمها في سوريا، وما عجزت عنه الجيوش الرسمية تمكنت منه الرايات الخفية، لذلك كثر الهرج والمرج، فهل رأيتم منذ الحرب العالمية الثانية حرباً بمثل هذا التعقيد؟ ومنذ متى تتحالف الولايات المتحدة وروسيا في حرب مشتركة؟ ومن أجل ماذا؟ لسنا أغبياء كي نصدق أن كل هذه الجيوش لا تستطيع وقف نزيف الأبرياء، ولسنا بلهاء كي نصدق أن أعداء الأمس أصبحوا حلفاء رأفة ورحمة بالناس البسطاء! وفي مقابل مؤامرة الجيوش الدولية، هناك حرب كلامية تجري في ساحات الحوار المتعارف عليها دولياً، فمن جنيف التي شهدت مؤتمرات واتفاقات بلغت من كثرتها أن أصبحت تعرف بأرقامها تصاعدياً (جنيف 1 ثم 2..)، إلى أمين عام الأمم المتحدة الذي جف دمعه من شدة القلق على أوضاع الناس وسقوط الضحايا.. وكأن دوره في البكاء قد انتهى لقرب خروجه من منصبه، لذلك لم أستغرب تعليقه خلال جلسة مجلس الأمن الأسبوع الماضي عندما قال: «داعش والقاعدة يستغلان الفوضى السائدة في سوريا، والصراع السوري من شأنه أن يزلزل المنطقة، واستخدام التجويع والحصار كسلاح يعيدنا إلى العصور الوسطى». فما الجديد أو المفيد في هذا الكلام؟ وفي نفس اللقاء قال ستيفان ديميستورا: «سنقدم اقتراحات مبدئية إلى الأطراف كافة لدى استئناف المفاوضات والمقترحات في سوريا، مبنية على الحل السياسي لا العسكري». من يقرأ هذا التصريح يعتقد أن المشكلة في بدايتها. وكي يزيد الطين بلة، قال لافروف، وزير خارجية روسيا، إن «الوضع في سوريا مثير للقلق، وعلى مجلس الأمن أن يمارس دوره المؤثر على جماعات المعارضة». أما نظيره الأميركي (كيري)، فأستطيع تلخيص كلمته في عبارته المشهورة «الحل السياسي السبيل الوحيد لوقف المعاناة في سوريّا». والسؤال المحير: أين موقع العرب من هذه المأساة؟ وماذا يفعلون وقد تحالف الكبار في المعركة؟ لا شك أن جهود إغاثة اللاجئين مشهد يدل على النخوة العربية، وهذا أقل الواجب مع الأشقاء، لكن سيل اللجوء لن ينضب ما دام شريان الدماء ينزف. المنظمات العربية والإسلامية فشلت إلى الآن في تأسيس موقف دولي تجاه قضية سوريا، وكلنا يدرك أن هذا الطوفان لن يقف عند حدود الشام، لذا لا بد من أن يكون لدينا توجه قريب من «عاصفة الحزم» في اليمن، لأن المؤامرة مستمرة، وما أقوال الإيرانيين الأخيرة في الإعلام الأميركي حول السعودية إلا ناقوس خطر يدل على أن أمراً بيت بليل على وشك الوقوع.