ترتبط الهند بروابط تاريخية مع أفغانستان، كما لعبت دوراً مهماً في عملية إعادة بنائها. وحتى وقت قريب، ظل انخراط الهند الأساسي في أفغانستان مقتصراً على تقديم المساعدات لمشروعات البنية التحتية في هذا البلد، الذي مزقته الحرب. وقد أنفقت الهند حتى الآن 2.2 مليار دولار على أفغانستان، وتعتبر ضمن العشر دول المانحة الأولى للمشروعات الأفغانية، التي تشمل، تشييد مبنى البرلمان، وبناء عدد من المداس، والمستشفيات، ومد الطرق، وتركيب خطوط القوى الكهربائية، وهو ما أكسبها سمعة حسنة كبيرة لدى السكان المحليين. في يونيو من العام الجاري، زار رئيس الوزراء الهندي أفغانستان، لافتتاح أكبر مشروعات البنية التحتية بها وهو«سد سلمى» المعروف أيضاً باسم «جسر الصداقة الأفغانية - الهندية»، الذي بلغت تكاليف إنشائه 275 مليون دولار أميركي. ولكن الهند ظلت، مع ذلك، حريصة على النأي بنفسها عن الدخول في أي التزامات عسكرية، أو علاقة دفاعية مع كابول، تخوفاً من التداعيات الأمنية والاستراتيجية، التي يمكن أن تترتب على ذلك، وخوفاً من الانجرار إلى حرب لا تنتهي. وأفغانستان من جانبها لم تحاول التواصل مع الهند لطلب مساعدات عسكرية، أو التزامات سياسية، خوفاً من أن يؤذي هذا التفاقم علاقتها مع باكستان. ولكن حكومة ناريندرا مودي، دأبت منذ أن جاءت إلى السلطة منذ عامين، على إرسال إشارات، تفيد أنها بصدد إجراء تحول في استراتيجيتها الإقليمية، وسياستها تجاه أفغانستان. مؤخراً، أعلنت الهند عن تزويد أفغانستان بأربع طائرات هليكوبتر روسية هجومية من طراز Mi-25، في أول عملية نقل أسلحة إلى هذه الدولة منذ سقوط حكومة «طالبان». وفي شهر مايو الماضي، اتفقت الدولتان ومعهما إيران، على توقيع اتفاقية لتطوير ميناء «شاهبهار» في إيران تسمح للدولتين بالتبادل التجاري بشكل مباشر، من دون الحاجة إلى المرور عبر باكستان. وخلال الزيارة التي قام بها الرئيس أشرف غني لنيودلهي الأسبوع الماضي، كان من الواضح أن الهند قررت تعزيز علاقتها في المجال الدفاعي مع أفغانستان، من خلال وضع خريطة طريق للروابط المستقبلية مع هذه الدولة. فعقب انتهاء المحادثات مع أشرف غني، عرضت الهند تقديم مساعدات إضافية بقيمة مليار دولار لأفغانستان، تمنح على خمس دفعات خلال السنوات الخمس القادمة، لبناء قدرة أفغانستان وإمكاناتها في مجال قطاعات تنمية البنية التحتية. وهذا الاتفاق يعتبر علامة واضحة على الاعتراف بالدور المهم الذي يمكن للهند أن تلعبه في أفغانستان. وتعزيز الروابط بين الهند وأفغانستان، ينظر إليه بقلق كبير في باكستان، التي تتوجس دائماً من علاقات الهند الوثيقة مع كابول. فعلى الرغم من أن الهند وأفغانستان، قد أعلنتا أن المساعدات ستستخدم فقط لمشروعات تنموية، فإنه كان من الواضح أن باكستان تشعر بالقلق بسبب التقارب الوثيق الطارئ على العلاقات بين نيودلهي وكابول. وفي أول رد فعل من جانبها، سعت إسلام آباد إلى الحصول على ضمانات بأن الأراضي الأفغانية لن تستخدم ضد مصالح باكستان. ومن المعروف في هذا السياق أن إسلام آباد تعارض بشدة، أن يكون لنيودلهي أي دور جوهري في صياغة مستقبل أفغانستان، بسبب خوفها من النفوذ الهندي المتنامي في المنطقة، وخوفها من أن تصبح مطوقة بدول منافسة. ومن المتوقع ألا تترك باكستان الأمر يستقر على ما هو عليه، وأن تسعى لبذل قصارى جهدها في الاستمرار في ممارسة الضغط على الجماعات المتعاطفة معها في أفغانستان، لإبعاد الهند عنها. يُشار إلى أن الرئيس أشرف غني، عمل بعد توليه السلطة عام 2014 على التقارب مع باكستان، على أمل أن تستخدم نفوذها على «طالبان» لتسهيل محادثات السلام، ولكنه لم ينجح في ذلك مما أضعف علاقته معها. ولما يزيد عن عام الآن، ظل الرئيس الأفغاني يوجه اللوم إلى باكستان لتوفيرها ملاذاً آمناً لـ«طالبان»، وغيرها من المجموعات المسلحة، يمكنها من تنظيم هجمات في كابول والمدن الأفغانية الكبرى الأخرى، ولكن القيادة الباكستانية ظلت تنكر هذه الاتهامات. وقد استغل الرئيس «غني» الفرصة خلال زيارته الأخيرة للهند لانتقاد باكستان، لعدم اتخاذها إجراءات ضد جماعات العنف. ففي نهاية الزيارة وفي البيان المشترك وجه كل من «مودي» و«غني» عدة إشارات مبطنة إلى باكستان من دون أن يذكراها بالاسم، حيث أعربا في ذلك البيان عن «قلقهم العميق للاستخدام المتواصل للإرهاب والعنف في المنطقة من أجل تحقيق أهداف سياسية»، ودعا الزعيمان «كل من يعنيهم الأمر لوضع نهاية لأنواع الرعاية والدعم كافة، وتقديم ملاذات آمنة إلى الإرهاب». وقد ردت «طالبان» بالفعل على إمداد الهند لأفغانستان بطائرات هليكوبتر هجومية، وحذرت من أي صفقات لتقديم أي إمدادات عسكرية إضافية، ولكن من غير المرجح لحد كبير أن تتراجع الهند بسهولة أمام تهديدات «طالبان»، أو أي مجموعة أخرى، من المجموعات الموالية لباكستان. والرئيس «غني» الذي من الواضح أنه يشعر بالقلق جراء الدعم المستتر الذي تقدمه المؤسسة العسكرية الباكستانية إلى «طالبان»، من المقرر أن يعود إلى الهند مرة ثانية خلال شهور، كضيف رئيس في مؤتمر«أمريتسار» الوزاري لـ«عملية قلب آسيا- إسطنبول» في ديسمبر القادم، ومن المتوقع أن تسعى الدولتان إلى المزيد من تعزيز روابطهما في العديد من المجالات الأخرى خلال هذه الزيارة. د.ذِكْر الرحمن* *رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي