أستراليا قارة بعيدة عن سماع صدى التطرف في العالم، فضلاً عن صوته المدوي، إلا أن صوره لاشك أنها عابرة للقارات السبع. ليس هذا بالأهمية القصوى في حديثنا عن «بولين هانسون» زعيمة اليمين المتطرف في أستراليا عندما تحذر من «طوفان إسلامي»، وقد استغلت مؤسسة حزب «الوطن الواحد» الأسترالي اليميني المتطرف، أول كلمة تلقيها أمام البرلمان منذ 20 عاماً للتحذير من أن أستراليا «مهددة بالغرق في طوفان من المسلمين». النواب العقلاء والحصفاء انسحبوا فوراً عند سماعهم هذا الخطاب المستهجن والممجوج في البرلمان وكذلك في المجتمع الأسترالي الذي يعيش الناس فيه من كل الأجناس والديانات في وئام ووفاق يقل نظيرهما في العالم. زرت أستراليا مرة واحدة مع العائلة من أجل السياحة التي نقطع من أجلها آلاف الأميال، لاكتشاف الجديد في هذه القارة التي صنعت تاريخاً خاصاً بها بعيداً عن موجات العنصرية والكراهية للآخر الذي دخل إلى هذه القارة الشاسعة ذات قرابة العشرين مليون نسمة لقضاء مصلحة إنسانية لا علاقة لها البتة بالتطرف والإرهاب اللذين صمّا آذان الأنعام قبل الإنسان. «التطرف» أياً كان دينه أو جنسيته لا يعالج بتطرف مضاد لا في الاتجاه ولا في المقدار، فأستراليا كالدول الأوروبية التي ابتليت بأحزاب اليمين المتطرف، وخاصة التي فازت في الانتخابات البرلمانية في الآونة الأخيرة، وكان للتطرف والإرهاب دور واضح في دفع هؤلاء نحو الارتقاء إلى سلم البرلمانات وبيدهم هذا «الكرت» الفاشل من الأساس، لأن عمر أي تطرف ديني أو طائفي أو فكري في التاريخ الإنساني قصير للغاية، فسرعان ما يعود الجميع إلى حضن الاعتدال والتسامح والتعايش السلمي وإلا انتهت الحضارات منذ أمد طويل. هل سمعتم عن حضارة صاعدة وقودها التطرف من أي نوع كان وكل خطاب مبالغ في علاج مشكلة التطرف، نتائجه المزيد من التطرف لدى طرفي المعادلة التطرفية وليس «الإسلامي» كما يطلق عليه في وسائل الإعلام السيَّارة. من رحمة الله بالعالم أجمع أن العقلاء والحكماء هم الذين يديرون دفة الحكم ومصالح البشر ولو استمر البعض «المتطرف» سواءً في أستراليا أو أوروبا وأميركا وآسيا وأفريقيا وغيرها في تأجيج نار التطرف الداخلي فإن الحصيلة المبدئية هي خسارة هذه القارات لأفضل ما صنعت خلال ألوف السنين، فلا يجب على هؤلاء مساعدة «المتطرفين» من أي حدب وصوب في تدمير جوهرة الإنسانية التي تعيش بحرية في الدول المتقدمة. ولنسمع ما قاله زعيم حزب الخضر في البرلمان الأسترالي، وكان من جملة المنسحبين: «لا مكان للعنصرية تحت قبة البرلمان، ولكن هذا ما سمعناه للتو من بولين هانسون، أقف صفاً واحداً مع أولئك الذين آذاهم كلامها». ترى ما الذي آذى هؤلاء العقلاء من أهل الحل والعقد في السياسة الأسترالية السمحة، ونتمنى ألا تفسد التفاحة الفاسدة بقية الطيبة في الصندوق السياسي الأسترالي. تأذى الأستراليون مما ضمنت «هانسون» خطابها في البرلمان عندما قالت: «إن التوترات الاجتماعية تتصاعد في كل أرجاء البلاد يقودها أستراليون يشعرون بتأثير الإسلام على حياتهم والمقت الذي يبديه لمعتقداتهم». ونصحت المسلمين الذين لا يرغبون بمنح ولائهم التام لأستراليا بالعودة من حيث أتوا، وقالت: «نحن الآن نواجه خطر الإغراق من قبل مسلمين يعتنقون حضارة وأيديولوجية لا تتوافق مع حضارتنا ومعتقداتنا». وأضافت: «لا يمكن أن يكون للإسلام وجود مؤثر في أستراليا إذا كنا نريد أن نواصل العيش في مجتمع مفتوح وعلماني متماسك»، وقالت: «ينبغي الامتناع عن بناء أي مساجد أو مدارس إسلامية، كما يجب مراقبة المساجد والمدارس الموجودة فيما يخص المواد التي تدرس فيها حتى انتهاء الأزمة الراهنة». هذه خلاصة ما تدعو إليه «هانسون» وأمثالها في معظم الدول الأوروبية تحت لافتة «التطرف»، والإرهاب «الإسلامي»! ولو تعاملت الدول العربية والإسلامية بمنطق «هانسون» مع الجاليات الأوروبية والأميركية وغيرها في ذات الشؤون رداً على تطرف اليمين في أوروبا وغيرها، هل ستنتهي مشكلة التطرف في العالم أجمع؟ الإسلام شيء أرقى من أن تمسه يد التطرف في أي مكان وهو الأهم من كل شيء، في هذا الحديث المسموع من قبل الساسة الأوروبيين أنفسهم في كل الدول التي بدأ غلو اليمين المتطرف يكشف عن مخالبه فيها متهماً الإسلام وهو من كل ذلك براء، فجرائم الذئاب المنفردة لا ينبغي إلصاقها بأصل الإسلام وقواعده ومبادئه التي عمرت أوروبا أكثر من بلدانها الأصلية لأسباب معروفة لكل ذي عقل حصيف مدرك لما يدور حول العالم من تغييرات.