اعترف المرشح الجمهوري دونالد ترامب أخيراً، بأن الرئيس الأميركي باراك أوباما ولد في الولايات المتحدة بالفعل، وأنه رئيس أميركي شرعي بالتالي. وقد جاء هذا الاعتراف في بيان مقتضب ألقاه ترامب في نهاية عرض أمام الصحافة الوطنية، عن عجائب فندقه الفاخر الجديد الذي افتتحه مؤخراً في مبنى تاريخي يقع بالقرب من البيت الأبيض في واشنطن. ولم يكن من قبيل المفاجأة أن يرفق ترامب اعترافه بتوضيح إضافي، من خلال القول بأن حملة هيلاري كلينتون في الانتخابات التمهيدية لعام 2008، والتي كانت تتنافس فيها مع أوباما على الفوز بترشيح الحزب الديموقراطي، كانت أول من أثار مسألة مكان ميلاد أوباما، وأنه (ترامب) هو من نجح في حل هذا المسألة من خلال إرغام أوباما على تقديم شهادة ميلاد صادرة من هاواي، تثبت أنه قد ولد فيها. واعتراف ترامب المتأخر بشأن مكان ميلاد أوباما، لم يضف سوى القليل لتخفيف غضب مجتمع الأميركيين من أصول أفريقية، الذين يعتبرون محاولاته لتسويق هذه الكذبة إهانة لا تغتفر، ولا يمكن وصفها بشيء سوى أنها «عنصرية» مهما حاولت حملة ترامب أن تخفف من وطأتها. أما كون الجدل الذي يدور حول هذه المسألة، سيتناقص أم لا، وما إذا كان سيؤثر على السباق الرئاسي أم لا، فأمر غير واضح، ولا يمكن التيقن منه حالياً. لكن هذه المسألة، إذا ما نظر إليها مقرونة بإهانات ترامب المتكررة للمكسيكيين والمسلمين، والدعم القوي الذي يحظى به من المجموعات الأميركية البيضاء، المؤمنة بتفوق العنصر الأبيض، مثل «ديفيد ديوك» القائد السابق لجمعية «كلو كلوكس كلان» العنصرية وغيره من غلاة العنصريين، يعزز الرأي القائل بأن ترامب يلعب حالياً بـ«ورقة العرق» في إطار محاولاته للفوز بالبيت الأبيض. وما يعنيه ذلك من المنظور السياسي، هو أن طريق ترامب للنجاح يتمثل في اللعب على وتر غضب وإحباط السكان البيض، من أصحاب الدخول المنخفضة، الذين أخفقت آمالهم في تسلق السلم الاجتماعي ليصبحوا أعضاء في الطبقة الوسطى الأميركية. فالواقع بالنسبة للعديد من الأميركيين المنتمين لهذه الفئة، هو أن الأوقات الشاقة التي فاقم منها الركود الكبير الذي بدأ عام 2008 ما زالت قائمة ولم تغادرهم حتى الآن. وهؤلاء الأميركيون فقدوا وظائفهم أمام المنافسين القادمين من وراء البحار، وتدهورت مستويات معيشتهم. وهم يشعرون حالياً بسخط شديد تشوبه المرارة، لعدم قدرة واشنطن والمؤسسة، وعدم استعدادهما أيضاً، للتصدي للمحنة التي يعانون منها. ويمكن القول إن الموضوعات الاقتصادية التي جرت معالجتها من أقوى منافسي هيلاري على الفوز بترشيح الحزب الديموقراطي، وهو السيناتور بيري ساندرز، توازي من نواح عديدة الهموم التي أبرزتها حملة ترامب. ترامب يعرف جيداً أنه لن يكون قادراً على اجتذاب أصوات الأقليات التي استخف بها، وقلل من شأنها، وأن وضعه بين سكان الضواحي من الأميركيين البيض المتخرجين من الجامعات، متدن للغاية، وأنه لن يتمكن من عمل الكثير لتغيير هذا الوضع. والأمل الذي يراود ترامب حالياً، ينحصر في خروج أعداد ضخمة من الموالين له -الذين تقاطروا على فعالياته بأعداد قياسية- لإعطائه أصواتهم في الانتخابات. وقد حاول مستشارو ترامب، أن يجعلوه يظهر بشكل أكثر رقة وإنسانية في موقفه من الأقليات، بعد الاستياء الشديد الذي نتج عن تصريحاته العنصرية ضدها، لكن من غير المرجح أن تنجح هذه المحاولة. أما هيلاري فالمتوقع -نظرياً- هو أن تحصل على دعم جارف من الهيسبانيك، والأميركيين من أصول أفريقية الذين تصوت نسبة كبيرة منهم للحزب الديموقراطي عادة، لكن حملتها تخشى مع ذلك من نسبة مشاركة الناخبين، خصوصاً بين فئة الداعمين الأصغر سناً. الخبر الطيب لأعضاء حملة هيلاري، أنهم باتوا أفضل استعداداً في الميدان، لحشد الداعمين، سواء للتصويت المبكر أم للتصويت في يوم الانتخابات نفسه. أما بين أنصار ترامب المتعصبين، فيسود شعور متشائم بأن الانتخابات التي ستجري في الشهر القادم، هي آخر انتخابات يمكن أن تتمكن فيها الطبقة العاملة البيضاء من أن تكون ذات تأثير حاسم في تحقيق الفوز للجمهوريين. فالحقائق الديموغرافية للولايات المتحدة، والتي طرأت عليها تغييرات عديدة خلال السنوات الماضية، تشير إلى أن زيادة أعداد السكان من الهيسبانيك والآسيويين والأميركيين من أصول أفريقية.. سيقود أميركا البيضاء في نهاية المطاف للتحول إلى أقلية. وما لم يقم الحزب الجمهوري -وبشكل جذري- بتغيير سياساته الحالية المناوئة للأقليات، بحيث تعكس في نهاية المطاف موقفا أكثر رغبة في دمج كافة مكونات المجتمع الأميركي، فإن الحال سينتهي به حتما إلى موقف أقل قوة بكثير من موقفه الحالي، في مجال السياسات الوطنية. والسبب الذي يدعو ترامب إلى اللعب بورقة العرق، يرجع إلى أن هذه الورقة، في هذه اللحظة من الزمن، هي أفضل ما يمتلكه من موجودات، لاجتذاب أصوات الطبقة العاملة البيضاء. وهذا يفسر إلى حد كبير، سبب الحملة الانتخابية البغيضة، بدرجة استثنائية، التي مازا ل أمامها ستة أسابيع حتى تنتهي.