كتب وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، في مقالة له بصحيفة «نيويرك تايمز» عنوانها «لنخلص العالم من الوهابية»، معبراً عن نهج جمهوريته «الإسلامية»، وساعياً لحشد الغرب ضد المملكة العربية السعودية والإسلام السني. وما يلفت الانتباه هو التناغم بين هذا المقال وبين مقابلات سابقة للرئيس الأميركي باراك أوباما، سواء مع الصحفي المشهور توماس فريدمان ولقاءه في صحيفة «ذي اتلانتك» مع جيفري غولدبرغ، حيث أدلى أوباما بأقوال ربما تكون الأولى من نوعها لرئيس أميركي ينتقد فيها الحلفاء العرب للولايات المتحدة وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية. الوزير الإيراني زعم في مقاله أن منبع الشر والعنف هو المدرسة الوهابية، ملتقياً في ذلك مع الرئيس أوباما الذي أبدى خشية في مقابلاته المذكورة من تحول الإسلام المسالم في إندونيسيا إلى إسلام يتسم بالعنف، وذلك بسبب أموال النفط الخليجية لدى مدارس التشدد الديني السني. وجاء مقال الكاتب جمال خاشقجي الجريء بعنوان «البيان في أسباب حب الأميركان لإيران»، والذي وضح فيه غياب الرؤية السنية العربية مقابل وضوح الاستراتيجية الإيرانية الشيعية. وفي ظل تصاعد التوتر في المنطقة العربية، وظلام الرؤية حيال سوريا واليمن، واستمرار وتيرة العنف الديني الذي تشنه «داعش».. يشعر المرء بقساوة الوضع والصعوبة في قراءة مستقبل المنطقة، خاصة مع استمرار نمط التفكير التقليدي في معالجة الاختلالات الداخلية في رسم الجانب الخليجي لسياساته الخارجية والداخلية. لدينا حساسية مفرطة إزاء أي نقد عقلاني، كما لدينا محاصرة غير مسبوقة لأي مبادرة عقلانية تعيد التوازن المفقود في فهمنا للمتغيرات العالمية، ولدينا إيمان أقوى من اللازم بالمعادلات القديمة رغم وجود تغيرات عالمية تفرض نفسها بشراسة وتحمل معها توجهات جديدة تعيد بناء خريطة المنطقة العربية. أميركا لم تعد الدولة الحليفة بمفهومنا التقليدي، فهي اليوم عليها مسؤوليات كبيرة حيال كثير من المواثيق الدولية، وسياسة غض الطرف عن الحلفاء لها تداعياتها المؤلمة، ومن ثم تنبغي إعادة رسم التحالفات على أسس جديدة، تتجاوز كل المعوقات نحو بناء استراتيجية جديدة. الطرف الخليجي يصر على المضي في نهجه دون اكتراث لطبيعة المرحلة الحرجة التي تمر بها المنطقة. ولعل أهم سمات النهج التقليدي تتجسد في الفهم المغلوط للقوة الشرائية للمال النفطي، وهو فهم يعتقد أن المال كفيل بتذليل كل صعاب. هناك نمط فكري بحاجة إلى مراجعة شاملة، لأجل صناعة مستقبل يضمن استقرار المنطقة، وذلك يتطلب التخلي عن كل السمات المعيقة لأي محاولة عقلانية لبناء مجتمعات متصالحة مع نفسها. ولا يعيب هذه المجتمعات أن تخطو خطوة جريئة نحو إبرام عقد اجتماعي جديد، قائم على قاعدة العدالة الاجتماعية واحترام حق المواطنة. فبعض هذه المجتمعات تعاني شروخاً اجتماعية وتناقضات صارخة في فهمها لدور الدين في بناء مجتمع يسوده التسامح. كما أن المنظومة الخليجية ليس لديها خطاب متجانس، إذ يتسم خطابها أحياناً بالتناقض، مما يجعلها عرضة لكثير من صور التباين الذي يضعف الدول. ولعل قول أوباما في لقاءاته المشار إليها، من أن الخطر الداخلي أشد من الخطر الإيراني، يثير كثيراً من التساؤلات حول طبيعة توجهات الحلفاء، كما يستدعي مبادرات جريئة لإجراء إصلاحات تضمن استقرار الدول الخليجية. فما كتبة الوزير الإيراني لا يخرج عن فحوى مقابلات أوباما، فالخيوط متشابكة والمواقف متناغمة.. الأمر الذي يتطلب مراجعات خليجية جادة لسياسات غير فاعلة في ظروف معقدة.