نصحو بشكل شبه يومي أو حتى أسبوعي أو دوري على انفجار في مكان ما من هذا العالم الذي لا يمكن لنا التبرؤ منه. ابتداءً هو أمر محيّر لأولي البصائر والألباب الذين في الغابر من التاريخ يفضلون مراقبة الأوضاع من «الروزنة»، أي الشباك الصغير في الدار أو في المكاتب الفخمة من ناطحات السحاب. إذا احتار الحليم، فما مصير الآخرين؟ انشغل العالم لأكثر من عقدين بـ«القاعدة» حتى اصطادوا «بن لادن» وذهب إلى غير رجعة، وخفّ صوت الانفجار أو القتل وما شابه من رائحة الجرائم المنكرة في مختلف الأديان والشرائع والقوانين الأرضية فضلاً عن السماوية. ولم نصدق أن نستسلم للنوم، ولو في قيلولة النهار، حتى أفاق العالم مرة أخرى على صوت أكثر ضجيجاً وصخباً بجرائم أكثر وحشية مما ارتكبتها «القاعدة» ومن والاها من شراذم وذئاب الأرض المنفردة. الصوت المكبَّر من «داعش» هدفه الخلافة «الراشدة» ممن نصَّب نفسه في هذا المقام بلا رشد ولا عقل ولا بصيرة، ولا أمان، وتبع ذلك النهج الأعرج المنفلتون في تيار الإسلام السياسي، الذي يتحين الفرص للانقضاض على الآخرين باسم الدين البريء من كل ذلك الإرهاب إلى يوم الدين. تُرى هل أصابت الحيرة من هذا الوضع أفراداً وجماعات ودولاً أم أن السياسات التي تتخذ سراعاً أيضاً محتارة في مدى جدواها ومعالجتها لتلك الأوضاع المحيرة؟ والأصعب في أوضاعنا العربية من دون العالم أجمع أن يخرج من خلالها قوم «حوثيون» حيّروا الحكمة اليمانية حتى بعد شن التحالف الحرب عليهم، ما زالوا «يحوثون» في النار ويحرقون كل من يمتّ إلى تلك الحكمة اليمانية بصلة. والسياسة الدولية لم تستطع حتى الآن إيقافهم عند حد الحكمة الصارمة، لإيقاف الحصار والتجويع عن سكان اليمن من الذين لا حول لهم ولا قوة ولا حيلة، هذه الفتنة التي حيّرت كل من يريد قول الفصل فيها، حتى لو اتخذ من «الروزنة» منهجاً لمراقبة الأوضاع من بعيد، فإن شرارة تلك الفتنة الطامة تحرق عينه وتعمي بصره وتطمس بصيرته عن قول الحق في أهل الباطل من «الحوثيين» و«القاعديين» و«الداعشيين» ومِن دونِهم أصناف يلعن بعضها بعضاً ويتآمر بعضها ضد بعض، وتتعامل كأن الساحة العالمية حتى في فرنسا وألمانيا وأميركا وبقاع أخرى، أصبحت تحت إمرتها. فالديموقراطية بكل أنواعها لم تأتِ برأس هؤلاء ولم تقنع ما يدور في عقولهم، لأنها مقلوبة وتمضي عكس كل دواعي الإنسانية وهي سر وجود البشر في هذه الأرض. فمبادئ التسامح والتعايش والتعارف شعوباً وقبائل لم تعد تصمد أمام هذه الهمجية والبربرية المعاصرة، وقد فاقت مجازر التتار والمغول وحشية وتطرفاً في ارتكاب الشنائع بالذات في أماكن اللعب والرتع، حيث المئات، بل الألوف يمارسون حياتهم الطبيعية على سجيتها، وفجأة يخرج من يعكر عليهم صفو الحياة بلأواء الموت. لقد احتارت الحيرة في ذاتها ولم تعد لها وظيفة غير الإغراق في الإبهام والغوص في المجهول، وها هو العالم المتأثر بموجات الحيرة تلك ما زال يلملم جراحه النازفة من جراء تسونامي الإرهاب والعنف والتطرف في صور لم تمر على شرذمة المتطرفين السابقين، فقد تفننوا، بل تخصصوا في اختراع أنواع من الجرائم لم تخطر على قلب البشر من قبل وقد أصابت قلوبهم اليوم بداء الأرق المركب والقلق المكعب والرعب المرهب والعنف الرهيب. والعالم مصدوم كذلك بمن ظن فيهم الإحسان والاعتدال، في تناول قضايا السياسة، بدؤوا بالتحول إما إلى يسار متطرف أو يمينٍ أكثر تطرفاً. والأكثر دراماتيكية أن يجعل هذا البعض المخيف في جميع تصرفاته الإرهابية وضع «الإسلام» دين السلام في فم مدفع التطرف والإرهاب، حتى يضرب في مقتل وتُستباح بَيْضَتُهُ ويذهب جميع المسلمين بمختلف مشاربهم الفكرية والعقدية الضحية الكبرى وجائزة عظمى على مذبحة ما يجري من حول العالم، والذي يثير آلاف الأسئلة المشروعة وإن كانت حتى الآن بلا إجابات شافية ولا كافية أو وافية، فهل هناك أكثر حيرة في هذا العالم من هذا الحال الذي إذا استمر على هذا النحو فقد لا يُرجى سلام ولا أمان.