لا يطلق أعداء «داعش» وأنصاره عليه اسماً واحداً، بل تتزاحم في الساحة الإعلامية، وسياقات التحليل السياسي، بعدة أسماء لهذا التنظيم، تشكل جميعها ألواناً من التفاعل، تفرضها روافد التفكير ومنابعه، ومقتضيات المصالح والمنافع، وطرق التعامل والتفسير والتحليل، ومسارات الأهداف والمقاصد، ومصادر التمويل والتوجيه. وليس هذا بشيء جديد في تاريخ التعاطي، سلباً أو إيجاباً، مع الحركات والتنظيمات والجماعات الدينية المتطرفة والإرهابية طيلة تاريخها، القديم والحديث والمعاصر. وفي زماننا تعددت أسماء بعض الحركات، وكان لأجهزة الأمن ووسائل الإعلام، المقروء والمرئي والمسموع والإلكتروني، دور بارز في هذا الموضوع. فعلى سبيل المثال، لا الحصر، كان شكري مصطفى يسمى تنظيمه التكفيري «جماعة المسلمين»، ولم يكن من الطبيعي أن تتعامل أجهزة الإعلام المصرية مع المسمي كما وضعه صاحبه، لأنه ينطوي على إيجابية كبيرة، بل فيه شعور بالاصطفاء والنقاء والعمق، فأطلقت عليه ما يستحق أن يُسمى به وهو «التكفير والهجرة». وأطلق أسامة بن لادن على الكيان الذي أنشأه «الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين»، لكن عُرفت، على النطاق الأوسع، باسم «القاعدة» استناداً إلى أن نقطة انطلاق ابن لادن والذين كانوا معه هو «قاعدة الجهاد» التي تأسست في باكستان، لاستقبال المقاتلين الذين جاؤوا من دول إسلامية عدة لخوض المعارك ضد الاتحاد السوفييتي المنهار في أفغانستان. وهناك من لا يسمي «جماعة الإخوان المسلمين» كما أطلق عليها مؤسسها حسن البنا، ولذا يقف كثيرون من مناوئيها عند حد «الإخوان» أو «جماعة الإخوان»، بل هناك من حذف الأول المهموزة وأطلق عليها «جماعة الخوان»، أو «الإخوان المتأسلمون». ويمتد الأمر إلى اللافتة العريضة التي تعمل تحتها كل هذه الجماعات وهي «الإسلام السياسي»، فتوالت تعبيرات «المتأسلمون» و«الجماعات المتأسلمة» و«الإسلامويون» و«الجماعات الدينية السياسية» و«الماضويون» و«الجماعات المتطرفة» و«التنظيمات الإرهابية» و«الخوارج الجدد» و«الأصولية» و«جماعات العنف الديني».. الخ. وحين ظهر «داعش» كان هذا مستمداً من الحروف الأولى لاسم: «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، وبينما بقي هناك من يقف عند الاسم المختصر «داعش» هناك من يكتب الاسم كاملاً مثلما وضع أصحابه وأرادوا! ثم توالت التسميات من قبيل «تنظيم الدولة» و«الدولة الإسلامية»! وبات أفراد التنظيم يحملون اسم «الدواعش» وتصرفاتهم تنعت بـ«الدعشنة» أو «الداعشية»، باعتبارها نمطاً من السلوك العنيف المتوحش، والاتجاه المفرط في تفكيك الدول، وقمع الناس وقهرهم، وتوظيف الدين في أسوأ سلوكيات بشرية من قبيل القتل والتدمير والتخريب والسبي والاغتصاب والسرقة والقهر والقسوة. أما بالنسبة لأجهزة الإعلام فإننا نجد أنها ركزت على أربعة مسميات على النحو التالي: 1- «داعش»، وهو إن كان يتفق مع الاختصار الذي حدده التنظيم، فإنه يتكئ على الصورة الذهنية السلبية، التي ترسخت في الأذهان عن تصرفات أعضائه المتوحشة، والتي تحملها أخبار القتل والحرق والاغتصاب وسرقة الآثار والأموال والنفط، وإجبار الناس الذين يقطنون الأماكن التي يسيطر عليها التنظيم على هيئات وسلوكيات تفقدهم حريتهم، وتنال من إنسانيتهم، وتضر بمصالحهم. 2- «تنظيم الدولة» وهو تعبير يحاول أن يكون محايداً أو يراه أصحابه متساوقاً مع الوصف الدقيق لـ«داعش» فهو تنظيم بحكم تركيبته العسكرية، وارتباطاته بالخبرة التاريخية لما سبقه من تنظيمات إرهابية ومتطرفة، وهو «دولة» لأنه يسيطر على أرض يسكنها الملايين ويعمل فيها قوانينه ويقوم ببعض الوظائف التي تقوم بها حكومات الدول! 3- «الدولة الإسلامية» وهو تعبير مغرض، تستعمله أغلب وسائل الإعلام الغربية، وهو ينطلق من التعامل مع «داعش» بوصفه يمارس مهام دولة، وإن كان غير معترف بها، ومن ربطه بالإسلام، كأيديولوجية تحكم تصورات التنظيم وتصرفاته، رغم أنه لا يعنيه كثيراً الالتزام بـ«الشرع الإسلامي» كبعض التنظيمات الأخرى، التي أظهرت تمسكاً عميقاً لما تصورته أو توهمت أنه «صحيح الدين». وربط «داعش» بالإسلام على هذا النحو يخدم توجه من يمعنون في «الإسلاموفوبيا» أو يستقر في رؤوسهم أن الإسلام دين عنيف بطبعه، أو من جعلوا من الإسلام عدواً، وفق النزعة التي ظهرت عقب انهيار الاتحاد السوفييتي، لدى أميركيين من بين واضعي السياسات وخبراء الاستراتيجية والكُتَّاب ورجال الدين. 4- «تنظيم الدولة الإسلامية» وهو اسم ينطوي على كل المعاني التي وردت سابقاً، وربما لا يستنكره «داعش»، الذي لا يريد لسلطانه أن يقتصر على العراق والشام وإنما يمتد إلى مناطق أوسع في العالم، حتى أنها تتجاوز الجغرافيا التي ساحت فيها الإمبراطورية الإسلامية في أوج قوتها والممتدة من غانا في غرب أفريقيا إلى وادي فرغانة في آسيا الوسطى.