دأبت إيران على تحويل فريضة الحج إلى سجال سياسي مع المملكة العربية السعودية، سجال يعكس الاختلافات والخلافات السياسية والمذهبية بين الدولتين، فالحج، من وجهة النظر الإيرانية، يجب أن يتحول من مجرد فريضة دينية تقليدية، إلى فريضة دينية سياسية! وفي هذا العام أعلنت طهران عن منع مواطنيها من أداء فريضة الحج، ومعاقبة من يحاول السفر إلى السعودية بغرض الحج عن طريق دولة ثالثة، وذلك بعد أن تعثر الاتفاق مع البعثة الإيرانية للحج هذا العام. ونتيجة للسخط الإيراني الداخلي سارع خامنئي بشن هجوم شديد على السعودية داعياً «العالم الإسلامي إلى التفكير في حل لإدارتها الحرمين الشريفين وقضية الحج»، وذلك في بيان أطلق عليه اسم «نداء إلى حجاج بيت الله الحرام»! وقد اعتبرت دول مجلس التعاون الخليجي انتقادات المرشد الإيراني للسعودية «تحريضاً مكشوف الأهداف». وكذلك أدان ‏مجلس وزراء الخارجية العرب التصريحات العدائية والتحريضية ‏التي أدلى بها المرشد الإيراني مؤكدين أن السعودية ‏هي الوحيدة المختصة في تنظيم أمور الحج وخدمة ضيوف الرحمن. وقد بدأت إيران منذ فترة الترويج لمزاعم عدم أهلية السعودية لإدارة فريضة الحج وبدأت الأصوات الإيرانية بطرح فكرة ما سمته بالإدارة الإسلامية لفريضة الحج، وترددت أصداء خطاب خامنئي في ضواحي بيروت على لسان أذناب «الولي الفقيه» وانتشرت في بغداد جداريات تحمل العبارات التي قالها خامنئي في خطابه مهاجماً السعودية! وبدأت الأذرع الإيرانية في المنطقة بالتحريض على السعودية. وتتجاوز المساعي الإيرانية للتشويش على الحج المزاعم المعلنة إلى محاولة طرح وتداول فكرة تدويل إدارة مناسك الحج وممارسة الضغوط في مسعى يائس لتحويلها إلى واقع حتى على حساب دماء حجاج بيت الله الحرام، فمنذ الثمانينيات دأبت إيران على تسييس فريضة الحج تحت شعار «البراءة من المشركين»، فكانت تستغل الفريضة في تسيير المظاهرات دون مراعاة لبقية حجاج بيت الله بابتداع مراسم خاصة في مناسك الحج، تسمى دعاء «كميل» ومراسم «البراءة» و«نشرة زائر»! وبدأت الخلافات السعودية الإيرانية في عام 1986 حيث أحبطت السعودية محاولة 110 من الحجاج الإيرانيين تهريب مواد متفجرة لتفجير الحرمين الشريفين. وفي عام 1987 قام أفراد مما يسمى بـ«حزب الله» السعودي بالتعاون مع «الحرس الثوري» الإيراني والحجاج الإيرانيين بمظاهرات أدت إلى اشتباكات عنيفة مما أدى إلى مقتل 402 شخص. ونتيجة لتلك الأحداث الدامية، قطعت الرياض علاقتها الدبلوماسية مع إيران، أما طهران فقاطعت الحج ثلاثة مواسم متتالية حتى عادت العلاقات في عام 1991 بعد اتفاق يسمح للإيرانيين بالحج بحد أقصى يبلغ (115 ألف حاج)، مع السماح لهم بالتظاهر في موسم الحج، ولكن في مكان واحد تُخصصه لهم السلطات السعودية. وفي موسم حج عام 1989 قامت مجموعة من الكويت وشخص من السعودية ممن ينتسبون إلى منظمة تسمى «السائرون على درب الإمام الخميني» بتفجيرات بجوار الحرم المكي نتج عنها وفاة شخص وإصابة 16 آخرين، وذلك بمساعدة دبلوماسيين إيرانيين في سفارة طهران في الكويت. وفي موسم حج 2015 خالف 300 حاج إيراني تعليمات التفويج المحددة من السلطات السعودية مما تسبب بحادثة التدافع التي نتج عنها مقتل نحو 2300 حاج أجنبي، من بينهم 464 إيرانياً، وهي الحادثة التي تستغلها اليوم طهران لاتهام السعودية بعدم القدرة على تنظيم مواسم الحج متجاهلة الحقائق التي تشير إلى أن الحجاج الإيرانيين تسببوا في حادثة التدافع تلك. وفي الختام نشكر للمملكة العربية السعودية على رعاية بيت الله الحرام والحرمين الشريفين ونبارك للحجاج المسلمين القادمين من أصقاع الأرض لتأدية الفريضة «الممنوعة بأمر الولي الفقيه»! ونشد على أيدي إخواننا الشيعة ممن نأوا بأنفسهم عن تسييس فريضة الحج.. وكل عام وأنتم بخير.