عندما تهاوت أسعار النفط إلى 27 دولاراً للبرميل قبل عام تقريباً، جاءني مذعوراً قائلًا: «لقد قررت تحويل السيولة التي لدي إلى عملات أجنبية»، علماً بأنه يملك مبلغاً لا بأس به من المال، أجبته مستفسراً لماذا؟ ما الذي حدث؟ أجاب بأن أحد الأشخاص أخبره بأن العشر وحدات من العملة ستنخفض إلى وحدة واحدة فقط! ولكن مهلاً.. من هو ذلك الشخص؟ هل هو مهني، مصرفي أو محلل مالي أم اقتصادي؟ أجاب: «لا هذا ولا ذاك..إنه مثقف!» ولا أعرف ما علاقة الثقافة بالمهنية، أدركت حينئذ أن الحملة التي تقودها جهات عديدة ضد دول المجلس أخذت بعداً حتى في أوساط المثقفين. بعد شرح طويل مفاده أن أي من دول المجلس غير مضطرة إلى اتخاذ قرار بخفض قيمة عملتها، هذه الحقيقة تؤكدها مؤشرات اقتصادية ومالية عديدة وليس رأي مثقف، علماً بأن تحول العشر إلى واحد لا يتم حتى في الاقتصادات المتهالكة، كاقتصاد زيمبابوي، فما بالك باقتصادات قوية ومزدهرة؟ لحسن الحظ أنه لم يُقدم على هذه الخطوة، إذ عاد قبل أيام فرحاً لإدراكه حقيقة ما حدث للجنية الاسترليني و«اليورو» في الأشهر الماضية، والتي كان بسبها سيتكبد خسائر كبيرة، في الوقت الذي حققت فيه العملات الخليجية مكاسب مهمة تجاه هذه العملات. مناسبة هذه الحديث، هو عودة الأسطوانة في الدوران من جديد، حيث زخرت وسائل التواصل الاجتماعي مؤخراً بنية دول المجلس تخفيض عملاتها بترويج من الجهات نفسها، التي لم تفلح في المرة الأولى، والتي لن تفلح مجدداً، فأسعار النفط منذ ذلك التاريخ ارتفعت بنسبة 50% إلى 80% لتتفاوت ما بين 40 - 50 دولاراً للبرميل، كما أن العديد من الدراسات المرموقة من جهات مهنية دولية تشير إلى أن سوق النفط العالمي سيتوازن في عام 2017 بدليل ارتفاع حفر الآبار الجديدة، حيث لا يمكن لشركات النفط استثمار مليارات الدولارات في عمليات حفر جديدة دون توقعاتها الإيجابية لمستقبل السوق. هل سيوقف ذلك حملات التشوية ضد دول المجلس؟ لا نعتقد، فالشجرة المثمرة عادة ما تكون هدفاً للرمي، فاستقرار الأوضاع الاقتصادية وتحسين مستويات المعيشة أضحى أقل اعتماداً على عائدات النفط عما كان عليه الوضع قبل عقدين من الزمن، كما أصبحت دول المجلس تملك أدوات مالية متعددة تتيح لها مرونة أكبر في التعامل مع تقلبات أسواق النفط في العالم. تبقى هناك بعض العوامل الموضوعية والفنية الخاصة بإمكانية تخفيض العملة، وهي عوامل غير حاضرة في الوقت الحاضر بدول المجلس، فأولاً هناك الأوضاع الاقتصادية العامة، وهي مستقرة وتحقق دول المجلس كافة معدلات نمو إيجابية رغم ظروف سوق النفط والأوضاع الجيوسياسية المحيطة، وذلك بشهادة مؤسسات دولية مرموقة، بما فيها صندوق النقد الدولي. أما العامل الآخر، فإن دول المجلس تملك أدوات أفضل وأكثر فعالية للتغلب على بعض الصعوبات المالية الناجمة عن تراجع العائدات النفطية، وهي لم تستنفد هذه الأدوات كافة حتى الآن، كما أن هناك عوامل فنية أخرى تتعلق بالعجز وميزان المدفوعات والتنافسية التجارية...إلخ إضافة إلى عامل مهم آخر يتعلق باتفاقية دول المجلس حول تحرك عملاتها بعضها تجاه بعض بهامش محدد ليساهم في استقرار اقتصاداتها وتنسيق تعاملاتها، إذ إن أي خلل يصيب هذا الهامش ليس من السهل الإقدام على اتخاذه لارتباطه باتفاقات خليجية عديدة اتخذت منذ قيام المجلس. ومع ذلك، وإذا افترضنا، أن إحدى الدول قررت تغيير صرف عملتها تجاه الدولار المرتبطة به خمس من عملات هذه البلدان، فإن ذلك سيتم ضمن هامش مدروس ومحدود، وذلك لارتباطه بالأوضاع الاقتصادية العامة - مع أن ذلك مستبعد حالياً - مما يتطلب من المواطنين والمقيمين تجاهل حملات التشوية والاطمئنان إلى استثماراتهم ومدخراتهم، حيث تتوفر في دول المجلس فرص ذهبية لتنمية هذه الاستثمارات والمدخرات.