تولى باراك أوباما الرئاسة الأميركية في عام 2009، وأخذ على عاتقه أولويتين في سياساته الخارجية هما: وضع حد للأسلحة النووية، وقضية الدولة الفلسطينية. وخلال الصيف الجاري، انشغل الرئيس بالتفكير في إثارة موجة من تحركات اللحظة الأخيرة لتعزيز ميراثه بشأن «الأسلحة النووية»، تضمنت قراراً من الأمم المتحدة من شأنه حظر إجراء تجارب نووية. ويثير ذلك تساؤلاً واضحاً: هل سيطلق أوباما محاولة أخيرة في الشرق الأوسط؟ وطُرحت هذه المسألة للنقاش داخل وخارج البيت الأبيض منذ أن أخفقت جهود وساطة وزير الخارجية الأميركي جون كيري من أجل التوصل إلى اتفاق إسرائيلي فلسطيني، في عام 2014. وطيلة هذا الوقت كان هناك افتراض بأن أوباما ربما ينتظر إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية، لكي يتفادى إحداث مشكلات للمرشحة «الديمقراطية» هيلاري كلينتون. وهناك سوابق كثيرة في هذا الأمر، فدونالد ريجان وبيل كلينتون وجورج بوش الابن جميعهم سعوا إلى تعزيز ميراثهم في الشرق الأوسط أثناء شهورهم الأخيرة. ومن غير المثير للدهشة، أن احتمال إطلاق أوباما لمبادرة، يمكن أن تكون في صورة خطاب أو في أفضل الأحوال قرار من الأمم المتحدة، يؤجج «حالة من القلق الشديد في عالم نتنياهو»، مثلما أوضح أحد المسؤولين السابقين في الإدارة الأميركية. وعلى الرغم من أن علاقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأوباما لم يسدْها الوئام منذ أن تولى السلطة، فإن القرارات النهائية للرئيس الأميركي بشأن الشرق الأوسط قد تتخذ مساراً آخر، إذ يمكن للرجلين أن يتعاونا على صفقة من شأنها تعزيز ميراثيهما. وتشير مصادر إسرائيلية وأميركية إلى إمكانية تدشين مفاوضات ترتكز على اتفاق دفاعي ثنائي جديد لمدة عشرة أعوام، في مقابل زيادة المساعدات العسكرية الأميركية إلى إسرائيل من ثلاثة مليارات دولار سنوياً إلى زهاء أربعة مليارات دولار. وستحصل الحكومة الإسرائيلية على مزيد من الأموال من أجل الدفاع الصاروخي، بينما توافق على أن تعيد توجيه ربع التمويل الأميركي بصورة تدريجية إلى شركات أميركية، بدلاً من تحويلها إلى متعهدين محليين. وبالنسبة إلى كلا القائدين، لمثل هذا الاتفاق جانب سياسي إيجابي، لا سيما أنه سيمكّن أوباما من الإشارة إليه كدليل على أنه لم يكن رئيساً مناهضاً لإسرائيل، على الرغم من معاركه مع نتنياهو بشأن المستوطنات في الضفة الغربية والاتفاق النووي الإيراني. وأما نتنياهو، الذي يوجد ما يدعوه إلى القلق بشأن تآكل تأييد إسرائيل بين الليبراليين الأميركيين، سيتمكن من وصف التمويل السخي بأنه مبادرة من الحزب «الديمقراطي». وربما يبدو نتنياهو منتصراً حتى الآن في جولاته مع أوباما طوال ثمانية أعوام من خلال مقاومة ضغوط الإدارة الأميركية بشأن السماح بقيام دولة فلسطينية وفق شروط لا تروق له، ومواصلة البناء الاستيطاني في الضفة متاجهلاً الانتقادات الشديدة من وزارة الخارجية والبيت الأبيض، وإن كان الرئيس الأميركي سحق حملة نتنياهو العنيفة ضد «الاتفاق الإيراني». لكن مع بقاء سنوات في فترة حكم رئيس الوزراء الإسرائيلي، فمن الممكن أن يتوقع من الرئيس التالي، سواء أكان هيلاري أو دونالد ترامب، أن يتخلى عن سياسة ترامب في التعامل معه كشخص منبوذ. بيد أن الرئيس الأميركي لا يزال بمقدوره الكشف عن «خطة أوباما للدولة الفلسطينية»، وعلى الرغم من أنه سيفتقر إلى وسائل تنفيذها، فإنه في مستطاعه أن يملي الشروط الأميركية للتسوية، مثلما فعل بيل كلينتون قبل مغادرة السلطة. وإذا سعى إلى الحصول على تأييد من مجلس الأمن الأممي، فمن الممكن أن يضع أوباما أساساً دبلوماسياً. وبعد أن كان قرار الأمم المتحدة رقم 242 هو المحدد للصراع طوال العقود الخمس الماضية، من الممكن أن يحل محله قرار أوباما. وطرح كيري البنود على نحو واسع النطاق في أثناء مساعيه الدبلوماسية المكثفة التي باءت بالفشل، وهو ما يعني أن الدولة الفلسطينية ستكون على حدود عام 1967، مع تبادل الأراضي التي تضم مستوطنات في الضفة الغربية لإسرائيل. وستكون القدس عاصمة لكلتا الدولتين، على أن تعتمد عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى إسرائيل على اتفاق ثنائي. ووفق هذا الاتفاق، سيتم الاعتراف بإسرائيل دولة لليهود. وبالطبع، سرعان ما سيرفض الطرفان مثل هذه الاتفاقية، مثلما حدث عندما حاول أوباما ترويجها لنتنياهو وللرئيس الفلسطيني محمود عباس في 2014. وربما تعيق الدول العربية تمريرها من قبل مجلس الأمن، بمساعدة من روسيا وفرنسا. ولكن سيراهن أوباما على تزايد الضغوط على إسرائيل ببطء لقبول بنودها، وقد يحدث ذلك مع تسارع حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات. وبعد عشرة أو عشرين عاماً من الآن، من الممكن أن يُذكر أوباما بأنه «أبو السلام في الشرق الأوسط»! جاكسون ديل محلل سياسي أميركي يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»