ينتابني أحياناً شعور يدفعني إلى التمنّي على الرئيس أوباما أن يختلق أزمة عالمية ويطلب من جون كيري العمل على حلّها، وبحيث يكون الهدف الكامن وراء ذلك إشغال وزيره للخارجية حتى لا يجد الوقت الكافي لرفع سقف التأزّم في الأزمات التي يشهدها العالم بالفعل. وتعال نستعرض ما حدث في نيودلهي هذا الأسبوع عندما نطق كيري بتعليق متميز حول التوترات التي يشهدها بحر الصين الجنوبي. حيث قال في معرض تعليقه على الموضوع: «لا يوجد حل عسكري له». وكان قد سئل عن رأيه في موقف اللامبالاة الذي أعلنته الصين من القرار الذي اتخذته المحكمة الدولية في لاهاي في يوليو الماضي بالإعلان الصريح عن رفضها القاطع لادعاء الصين بحقها السيادي على بعض المناطق الإقليمية التابعة للفيلبين في بحر الصين الجنوبي. وقال: «نحن نريد تشجيع القواعد السلوكية في إدارة شؤون بحر الصين الجنوبي. وندعم الجهود الدبلوماسية أثناء سعينا لحل المشكلة، مع اقتناعنا الراسخ بعدم وجود حل عسكري لها». وأشار أيضاً إلى أن الولايات المتحدة ليس من مصلحتها «تأجيج الصراع، بل إنها تحاول تشجيع الطرفين على حلّ خلافاتهما حول حقوقهما السيادية بالطرق المشروعة وعبر الجهود الدبلوماسية». وأنا أرى أن أسلوب كيري في التفكير ينطوي على نقطتين تستحقان التوقف عندهما فيما يتعلق بهذا الموضوع. تكمن أولاهما في الموقف الواضح للولايات المتحدة من أن تطبيق الأحكام الصادرة عن محكمة لاهاي هو أمر غير قابل للتفاوض. ورغم أن الولايات المتحدة لم تتخذ موقفاً رسمياً منحازاً لأي طرف فيما يتعلق بالنزاع السيادي في بحر الصين الجنوبي، فمن الواضح أنها تدعم حكم القانون وتعارض محاولات الصين الهادفة لفرض سيادتها على تلك الشواطىء والمياه الإقليمية من طرف واحد. فما الذي يعنيه إذن أن يدعو كيري الطرفين للسعي لحلّ هذه المشكلة وكأنها قضية تتعلق بعملية السلام العربية الإسرائيلية؟ أنا أقول له إن الطرف الوحيد الذي يعمل على تأجيج الصراع في بحر الصين الجنوبي هي الصين ذاتها. وهناك ما هو أهم من ذلك، ويتعلق الأمر بملاحظة كيري المتعلقة بالحلول العسكرية. دعونا نذكر هنا بأن الصينيين يعتقدون بما لا يدع مجالاً للشك، بوجود حلّ عسكري لمشاكلهم في بحر الصين الجنوبي. ودليل ذلك أنهم لا زالوا يقيمون الجزر الاصطناعية قريباً من مناطق النزاع وينشرون أسلحتهم فوقها. كما أن المنهج الأساسي الذي تلتزم به إدارة أوباما للتعامل مع هذه الأزمة يكمن في الحل العسكري، وكان الأجدر بكيري أن يقول هذا. ولقد سارعت الولايات المتحدة إلى إرسال وحدات من أسطولها السابع إلى داخل المناطق المتنازع عليها تحت شعار «حرية الإبحار». رغم أن هذه الوحدات لم تتعمد اختراق المياه المجاورة للجزر الاصطناعية الصينية، فإنها تشكل بحدّ ذاتها الردّ الذي تراه الولايات المتحدة مناسباً على الاستفزازات الصينية. وعلى أن المناورات المتكررة التي تنفذها القوات الأميركية مع حلفائها في شرق آسيا تعتبر بدورها موقفاً واضحاً لطريقة تعامل الولايات المتحدة مع الموضوع. وعلينا ألا ننسى أيضاً صفقات بيع الأسلحة الأميركية للدول المهددة من الاستفزازات الصينية. ومعظم الإجراءات التي تبنتها واشنطن تحت مسمى «المحور الآسيوي» تضمنت تكريس الوجود العسكري الأميركي في المنطقة. وهذا كله لا يعني استبعاد الاتصالات الدبلوماسية مع الصين، لكن إيحاءات كيري بالحل السلمي تقوّض تلك الجهود، لاسيما أنها جاءت في وقت شجبت فيه المحكمة الدولية الاستفزازات الصينية. ويوم الخميس الماضي، قال لي دانييل بلومينثال، مدير قسم الدراسات الآسيوية في معهد العمل الدولي: «لقد كانت كل المواقف المنددة بالاستفزازات الصينية في بحر الصين الجنوبي تتضمن شقّها العسكري». وأضاف إلى ذلك توضيحاً يفيد بأن هذا لا يعني بأن الولايات المتحدة سوف تبدأ بشن حربها ضد الصين، لكن كل الخبراء، سواء أكانوا من خارج أو داخل الحكومة الأميركية، يتحدثون عن إجراءات عسكرية يمكن اتخاذها لردع الصين. وتتضمن تلك الإجراءات إرسال وحدات من البحرية الأميركية لمرافقة قوارب الصيادين في المصائد الفيلبينية الواقعة داخل المنطقة التي تزعم الصين سيادتها عليها، أو توجيه الأوامر للمدمرات والفرقاطات الأميركية بإجراء دوريات قريباً من الجزر الاصطناعية التي أقامتها الصين. وهذه الإجراءات كلها أصبحت مهمة الآن وخاصة أثناء انعقاد قمة مجموعة العشرين في مدينة «هانجزهاو» الصينية خلال عطلة نهاية الأسبوع. وخلال الأشهر القليلة الماضية، لمّحت الصين إلى إعداد خطط للبدء بإنشاء جزر اصطناعية جديدة في المياه البحرية الضحلة التي تدعى «سكاربورو شول» ومنعت الصيادين الفيلبينيين من الاقتراب منها رغم الحكم الصادر عن المحكمة الدولية والذي يرفض السيادة الصينية عليها. إيلي ليك محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»