على عكس التوقعات، والمخاوف، أعلنت منظمة الصحة العالمية مؤخراً، أنه لم يتم حتى الآن تسجيل أية حالات إصابة بفيروس «زيكا» بين الجماهير، أو بين الرياضيين الذين شاركوا في الألعاب الأولمبية الأخيرة التي أقيمت في «ريو دي جانيرو» في شهر أغسطس الماضي، وذلك حسب تصريح مدير برنامج الطوارئ الصحية بالمنظمة، خلال مؤتمر صحفي عقد في «جنيف» يوم الجمعة الماضي. ويأتي هذا الإعلان ليؤكد على صحة تقديرات وتوقعات خبراء وعلماء المنظمة قبل بداية الألعاب الأولمبية، والتي أشارت إلى أن الألعاب لن تكون سبباً في انتشار الفيروس خارج البرازيل، وهي نفس توقعات المنظمة بخصوص الألعاب الأولمبية لذوي الاحتياجات الخاصة (الألعاب البارالمبية)، والتي من المقرر أن تبدأ أيضاً في السابع من الشهر الجاري، وذلك بناء على أن نشاط وتكاثر البعوض في البرازيل يكون في أدنى مستوياته خلال شهر أغسطس. وكان عدد من خبراء الصحة العالمية قد وجهوا انتقادات لمنظمة الصحة العالمية، بسبب تقاعسها عن المطالبة بتأجيل الألعاب الأوليمبية، أو نقلها لدولة أخرى، في ظل تواتر الأنباء عن وجود علاقة بين إصابة الأمهات الحوامل بفيروس الزيكا وبين تعرض أكثر من 1400 طفل حديث الولادة في البرازيل بمضاعفات وإعاقات عصبية خطيرة، تجسدت في الحالة المعروفة بصغر حجم المخ، بالإضافة إلى منظومة اضطراب عصبي أخرى (Guillain-Barre syndrome). وهو ما حدا حينها بالعديد من الرياضين، بمن فيهم أفضل أربعة لاعبي رياضة الجولف في العالم، للانسحاب وعدم المشاركة في المنافسات. ويعود اكتشاف فيروس «زيكا» إلى عام 1947، في أوغندا بشرق أفريقيا، وخلال العقود السبعة الماضية كانت الأوبئة منه محدودة، ومقصورة على مناطق جغرافية ضيقة، في شرق أفريقيا، وجنوب شرق آسيا، وبعض جزر المحيط الهادي، مما يجعل الوباء الحالي غير مسبوق وهائل بجميع المقاييس. وينتقل هذا الفيروس من شخص إلى آخر من خلال لدغات أنثى البعوض، التي تتغذى على الدماء البشرية حتى تتمكن من إنتاج البويضات والتكاثر، مثله في ذلك مثل فيروس الحمى الصفراء، وحمى فيروس غرب النيل، وحمى «الدنجي» المعروفة بحمى تكسير العظام لما تسببه من آلام مبرحة في العظام والمفاصل. والآن، وبعد أقل من عام على ظهور الوباء الأخير، يُقدر أن 2 مليار شخص حول العالم، وخصوصاً في الهند وإندونيسيا ونيجيريا، أصبحوا في خطر الإصابة بفيروس «زيكا»، على حسب دراسة نشرت نهاية الأسبوع الماضي في إحدى الدوريات الطبية المتخصصة في الأمراض المعدية (Lancet Infectious Diseases)، كان قد أجراها علماء جامعة «تورنتو» بكندا، بالتعاون مع علماء جامعة «أكسفورد» البريطانية، وكلية لندن لحفظ الصحة وطب المناطق الحارة (London School of Hygiene and Tropical Medicine). وبنى العلماء استنتاجهم ذلك على عدة عوامل، منها عدد المسافرين من المناطق المنتشر بها الوباء الحالي في أميركا الجنوبية إلى دول قارتي آسيا وأفريقيا، ومدى حضور وانتشار جنس البعوض الناقل للفيروس في هذه الدول، وطبيعة المناخ في المناطق الجغرافية المختلفة، وهي عوامل يُعتقد أنها كلها ستلعب دوراً في تحديد أي من دول العالم ستتحمل العبء الأكبر لوباء «زيكا». ويعتمد أيضاً حجم العبء لوباء مثل هذا، على مدى توفر المصادر والموارد الطبية المحلية، ومدى فعالية وكفاءة نظم الرعاية الصحية الوطنية، وخصوصاً على صعيد التشخيص والاستجابة الصحية للوباء، وهو ما يجعل بعض الدول أكثر عرضة لتبعات فادحة لوباء من «زيكا»، مثل الفليبين، وفيتنام، وباكستان، وبنجلاديش، بسبب ضعف البنية الصحية التحتية فيها. وبالفعل، أصبح فيروس «زيكا» ينتقل محلياً حالياً في 60 دولة، أي بين أشخاص داخل نفس المدينة أو الدولة، ودون الحاجة إلى مسافرين قادمين من دول أخرى. وتعتبر سنغافورة آخر الدول التي أصبح الفيروس ينتقل فيها محلياً - 82 حالة حتى الآن- وهو ما حدا بالحكومة السنغافورية إلى إصدار توصيات للأمهات الحوامل اللواتي تظهر عليهن أعراض المرض، بضرورة إجراء فحوصات تشخيصية، وطلب الاستشارة الطبية. وهو ما حدا أيضاً بالحكومة الأميركية يوم الثلاثاء الماضي، بتوصية الأمهات الحوامل بعدم السفر غير الضروري إلى سنغافورة، بعد نفس التوصيات من حكومات تايوان، وأستراليا، وكوريا الجنوبية. ويظل وباء «زيكا» الحالي معضلة صحية، في ظل عدم اكتمال بعض المعلومات الأساسية عن الفيروس، وعن كيفية انتقاله، ونوع أو جنس البعوض المسؤول عن انتقاله، وإذا كان بعض الأشخاص أو المجتمعات تتمتع بمناعة طبيعية ضد الفيروس، وهي جميعها أسئلة أساسية لا بد من الإجابة عليها، حتى يتم تقدير حجم العبء المرضي المتوقع، وكي يتم تفعيل الإجراءات القادرة على وقف انتشاره.