من أهم الدلالات على تقدم ورقي الدول هو قدرتها على تحمل وقبول الحوار بشكل ديمقراطي سلمي.. يحاول فيه كل طرف طرح وجهة نظره بحرية دون خوف أو تجريح ومساس بالآخر أو تكفير وتخوين وإقصاء. تابعت باهتمام بالغ قضية لباس السباحة الإسلامي (البوركيني) وهو اسم أطلقته مصممة أسترالية مسلمة وهو مشتق من كلمتين متناقضتين هما (برقع وبكيني)، وهو زي للسباحة صممته لنفسها ولكل امرأة يمنعها حجابها من مرافقة أصدقائها وأسرتها في رحلاتهم البحرية. لقد دار جدل حول هذا «البوركيني»، حيث منعته إحدى البلديات في منطقة نيس الفرنسية، وأجبرت الشرطة الفرنسية امرأة على خلع لباس السباحة «البوركيني» حيث كانت تجلس على شاطئ مدينة «نيس» الفرنسية.. هذه الحادثة أثارت جدلاً سياسياً وقانونياً بين أنصار الحرية والديمقراطية ودولة القانون ومن يعارضهم في التيار المحافظ، فالرئيس الفرنسي السابق نيقولا ساركوزي صرح بأنه سيقوم بتعديل الدستور الفرنسي لحظر هذا الزي إذا تم انتخابه في الانتخابات القادمة في شهر أبريل القادم.. التيار الليبرالي ونشطاء حقوق الإنسان في فرنسا اتخذوا موقفاً واضحاً بتأييد حق ارتداء «البوركيني».. وقد أيدتهم إحدى المحاكم الفرنسية وسمحت بارتدائه. في بريطانيا قام نشطاء بتجربة على أحد الشواطئ رصدوا من خلالها ردود فعل الناس في الشاطئ على محاولة منع سيدة مسلمة من قبل الشرطة كانت ترتدي «البوركيني»، حيث هب رواد الشاطئ الإنجليزي للدفاع عن السيدة المسلمة وحقها في ارتداء ما ترغب به. ليس الغرض من هذا المقال هو تأييد ومعارضة البوركيني ولبسه على شواطئ أوروبا.. ما يهمنا هنا هو «ثقافة المجتمع» الأوروبي والغربي وكيف أن هذه الثقافة الديمقراطية المفتوحة تسمح بالحوار والنقاش السلمي مهما كانت طبيعته لمعالجة كل القضايا المجتمعية المطروحة. السؤال هل لدينا في الوطن العربي حوار مفتوح لمعالجة جميع قضايانا الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية سواء كانت خاصة بالتعليم والصحة أو الطلاق أو تعدد الزوجات وغيره.. هذا الحوار عبر الفضائيات العربية محدود جداً.. وتعمد الصحف لمنع كل الآراء والأفكار التي لا تتفق مع رأي السلطة باسم الدين تارة وباسم الأمن والحفاظ على الوحدة الوطنية تارة أخرى. هيئة الإذاعة البريطانية B.B.C العربية تطرح بشكل يومي قضايا للحوار تهم المواطن العربي.. وهنالك إقبال ومشاركة كبيرة من الجماهير العربية على هذا البرنامج.. الأمر الغريب من متابعتي مثل هذا الحوار المفتوح أن نجد في بعض الأحيان الجماهير العربية التي تدلي برأيها بأنها أكثر تطرفاً وتشدداً في محاربة الحريات والدفاع عن الدين من بعض الساسة العرب وهذا أمر متوقع لأن غياب الديمقراطية يشوه معنى الحرية. لقد كان الكاتب الأميركي المسلم فريد زكريا محقاً عندما قال: «يجد العالم العربي نفسه اليوم محاصراً بين دول حكم الفرد ومجتمعات غير ليبرالية لا يمثل أي منها أرضاً خصبة للديمقراطية الليبرالية، وقد أفرزت الدينامية الخطيرة بين هاتين القوتين مناخاً سياسياً مشحوناً بالتطرف الديني والعنف، وكلما أصبحت الدولة أكثر قمعاً نمت المعارضة داخل المجتمع باطراد أكبر مما يحفز الدولة على مزيد من القمع ويحدث ذلك على النقيض في العالم الغربي، حيث أدت الليبرالية إلى الديمقراطية وعملت الديمقراطية على دعم الليبرالية، وبدلاً من ذلك أفرز المسار العربي الديكتاتورية التي ولدت الإرهاب، بيد أن الإرهاب ليس إلا المظهر الأشد وضوحاً لهذا الاختلال الوظيفي للعلاقة بين الدولة والمجتمع، وهنالك أيضاً شلل اقتصادي وركود اجتماعي وإفلاس فكري».