في آراء طرحها الدكتور يوسف زيدان أثناء مشاركته في ندوة ثقافية أقيمت في مدينة طنجة المغربية على هامش مهرجان «تويزا» الثقافي، أثار المذكور زوبعة في الوسط الثقافي العربي. ومن وجهة نظرنا أن ما طرحه الدكتور يوسف زيدان لم يكن له أي داعٍ حقيقي، ويدخل في إطار الطرح السلبي العقيم حول قضايا تاريخية وفكرية وثقافية راسخة لها جذورها في مجتمع الجزيرة العربية التي هي مهبط العديد من الأديان السماوية التي آخرها رسالة الإسلام التي حملها إلى البشرية رسولنا الكريم خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام، وهي مهد اللغة العربية ومنبعها الأساسي، وما قول الدكتور زيدان بأن الجزيرة العربية ليس بها علماء في اللغة العربية ومفكرون أسهموا في نشرها وتطويرها على مدى التاريخ العربي والإسلامي، سوى طرح سطحي ينم عن عدم إلمام بحقائق التاريخ والفكر والأدب والحضارة الإنسانية في الجزيرة العربية بمفهومها الجغرافي والتاريخي والحضاري الأوسع والأعمق. الحقيقة أن ما طرحه الدكتور زيدان الذي استضافته دول الجزيرة العربية وكرمته واحتضنت إنتاجه الأدبي ليس هو الذي يهمنا كثيراً، لكن المصيبة هي أن مثل هذه الطروحات تعكس في واقع الأمر حقيقتين مؤلمتين تلمان بالواقع العربي في هذه المرحلة من مسيرة العرب: هما أزمة الهوية الثقافية العربية، ومن الذي يقود في العالم العربي حالياً؟ فالهوية الثقافية العربية، والثقافة العربية بشكل عام تمر حالياً بأزمات وتحديات كبرى تعكس خللاً عميقاً في هوية الإنسان العربي وثقافته، فمن هو العربي حالياً؟ هل هو سليل قحطان وعدنان، أم هو إنسان آخر شخصيته في تكون مستمر منذ أن هبطت رسالة الإسلام وصهرت شعوباً وثقافات عدة مع بعضها بعضاً وكونت إنساناً عربياً جديداً؟ وبهذا الصدد، فإن التأثيرات الثقافية الجديدة للتحديث الاجتماعي والتطور الاقتصادي أدت إلى ارتفاع معدلات التقدم التكنولوجي ومستويات التعليم النظامي الحديث، أفرزت بشراً يفكرون بعقولهم ووسائلهم الخاصة. وربما أن هذه المسألة هي الأكثر إثارة للجدل والخلاف بين العديد من المفكرين العرب المحدثين الذين أصبح البعض منهم، وفي مناطق معينة من العالم، ينظرون إلى الآخرين بأنهم أقل منهم، وبأن لهم الفضل في تعليمهم، ومن ضمن ذلك إثارة الدكتور يوسف زيدان بأنه لا يوجد مفكرون أو علماء في اللغة العربية في الجزيرة العربية، وأن العلم والثقافة والمعرفة أمور توجد في أماكن أخرى غير الجزيرة العربية والخليج العربي. وهذه معادلة مغلوطة تحتاج من الذين يطرحونها مراجعة أنفسهم بشكل جذري، وأن الحقيقة تكمن في طرح آخر هو عصري وجديد ونافذ بكل المقاييس. والمسألة الأخرى، كما ذكرنا، تتعلق بمن هي الجهات التي تقود حالياً في العالم العربي، على ضوء التشكل الإقليمي الجديد تبدو الكثير من الطروحات القديمة مهلهلة ورثة وبالية ثقافياً، رغم ادعاء البعض بأنهم يقودون العالم الذي على أساس من الرابط الثقافي - القومي. وهذه مسألة لا تقوم على أسس واضحة، وهي سطحية وغير واقعية، وتحتاج إلى مراجعة فيها الكثير من بعد النظر الذي يفتقده كثيرون ممن يدعون لأنفسهم بأنهم هم وحدهم قادة العرب ومفكروهم. ما يوجد حالياً لدى هؤلاء هو التركيز على أن قيادة العالم العربي هي جزء من صنع السياسة، مع إهمال واضح لمخرجات تلك السياسة، وهذا واحد من العيوب الكبرى في نظرة بعض العرب إلى عرب الجزيرة العربية والخليج العربي. إن معظم الطروحات حول مسألة قيادة العالم العربي تقال وهي متروكة لكتاب وإعلاميين يطرحون المواضيع المتعلقة بها حسب أهوائهم الشخصية أو تجاربهم السلبية مع هذه الدولة العربية أو تلك، دون أن توجد لديهم تصورات واقعية لحيثيات هذه المسألة في العصر الحديث. ومسألة مثل هذه لن تنتهي، وسنجد بين الفترة والأخرى من يسمحون لأنفسهم بهضم حق إنسان الجزيرة العربية والخليج العربي في الإرث الثقافي والإنساني والحضاري والتاريخي والسياسي للعالم العربي، ماضياً وحاضراً. د. عبدالله جمعة الحاج*