الإنترنت يحتفل ببعض المراحل المحورية. وشهد الأسبوع الماضي كل من الذكرى السنوية الأربعين لأول اتصال متنقل والذكرى السنوية الخامسة والعشرين للشبكة العنكبوتية الدولية. وأبناء جيل الألفية الجديدة لا يتذكرون حتى كيف كانت الحياة تبدو بغير الإنترنت. أما أبناء جيل الثمانينيات فقد أصبحت التغيرات بالنسبة لهم في أنشطة الحياة اليومية عميقة ودقيقة فجأة. لكن ثورة المعلومات لم تكتمل بعد. فهناك كثيرون ممن يعيشون في العالم النامي وحتى بعض الأميركيين لم تصل إليهم الإنترنت بعد. ومع الأخذ في الاعتبار الشوط الطويل الذي قطعناه فمن الصعب تصديق أن فكرة شبكات الكمبيوتر المتصلة عنكبوتياً ومستخدمي الهواتف المحمولة سريعي الحركة والتنقل نشأت قبل عقود شبكة داخل الجيش الأميركي. لقد كانت تتطلع إلى إيجاد اتصالات آنية يعتمد عليها في ظل الظروف المتطرفة وسريعة التغير للجيش. ومن المثير للسخرية، أن الجيش وأوائل المستجيبين لثورة المعلومات لم يحققوا أهداف الاتصال التي وضعوها قبل 40 عاماً. لكن المستهلكين والأنشطة الاقتصادية تبنت بشكل غير متوقع الاتصال الرقمي في كل وقت ومكان. ومنذ عام 2010، حقق مزيج من شبكات الحزم العريضة القوية عالية السرعة والهواتف الذكية والأجهزة اللوحية وعالماً متنامياً من تطبيقات الأجهزة المحمولة مثل «آنجري بيرد» و«أوبر» أكبر ثورة في الكمبيوتر حتى الآن. وهناك نحو ثمانية مليارات هاتف محمول حول العالم متصلة بالإنترنت. إنني أتذكر دهشتي الأولى في فجر عصر الإنترنت. فقد كنت في مؤتمر بحثي عن التوقعات الكبيرة لمستقبل الكمبيوتر لشخصيات مثل «بيل جيتس» و«لاري إيليسون»، وكان كل ما اقترحوه تنويعات على ما كان لدينا بالفعل أي شبكات تراتبية وأنظمة مغلقة وحقوق ملكية البرامج. وتبين أن جميعهم كانوا على خطأ وبشدة. وقدم العرض الأخير طالب شاب من جامعة إيلينوي، ووضح فيه أداة مبكرة للإبحار عبر الإنترنت. وكان الطالب هو «مارك أندريسن»، وكان برنامجه هو «موزايك ويب براوزر». وفي غضون عدد قليل من السنوات أحدث البرنامج وبرامج التصفح الأخرى ثورة في تبادل المعلومات من كمبيوتر إلى آخر عبر الإنترنت متزايد السرعة الذي ينقل أي نوع من البيانات تختار الأنظمة تقديمها في صورة نصوص أو روابط أو رسوم توضيحية ثم بعد ذلك في صورة ملفات صوت وصورة. وبعد مشاهدة عرض «أدريسن» تغير فجأة مسار مستقبل الكمبيوتر. والإنترنت، الذي كان بلا ميزة تنافسية، والذي لم يكن لدى مبتكريه مجرد نوايا كي يصبح شبكة تجارية، كاد أن يبتلع كل شيء لأنه ببساطة لا يوجد سبب لعدم استخدامه. وعلى مدار ربع القرن الماضي ابتلع الإنترنت باستمرار كل شبكة وكل تكنولوجيا يمكن تخيلها أو بالأحرى لا يمكن تخيلها. والبيانات التي كانت منفصلة ذات يوم من الراديو والتلفزيون والصوت والنصوص تسافر جميعها حالياً على الأنظمة نفسها في خدمة بريدية افتراضية تنقل تريليونات من البايتات كل عام. وضح المستثمرون من القطاع الخاص ما يزيد على 1.4 تريليون دولار لبناء وإعادة بناء البنية التحتية الرقمية، وهذا يرجع في جانب منه إلى السياسة الأميركية الرسمية التي تركت الإنترنت «دون قيود من لوائح الاتحاد أو الولايات». وشرع المستثمرون في بذل المزيد من الجهد في السنوات التالية ليزيدوا كل من السرعات السلكية واللاسلكية من عدد من الميجابايت في الثانية إلى عدد من الجيجابايت في الثانية. ومع تناقص كلفة الكمبيوتر والاتصال مع تناقص متطلبات الطاقة والحجم اللازمة للاتصال ستبدأ تريليونات أخرى من الأجهزة تتحدث لغة الإنترنت. لكن الثورة أبعد ما تكون عن الاكتمال. فهناك طائفة من الأميركيين، بل وعدد أكبر في باقي العالم ما زالوا غير متصلين بالإنترنت. لكن الجهود الخاصة والعامة لجسر الفجوة حققت تقدماً كبيراً. فقد أعادت لجنة الاتصالات الاتحادية على سبيل المثال تنقيح برنامجها المعروف باسم «لايفلاين» لدعم إمكانية الدخول على حزم الإنترنت العريضة لأفقر الأميركيين. وبرنامج «إنترنت اسينشيال» التابع لشركة كوكاست مسجل فيه حالياً أكثر من ثلاثة ملايين مشترك. وأعلنت شركة أيه. تي. آند تي. في الآونة الأخيرة خدمتها التي تكلف عشرة دولارات في الشهر. ومع تزايد شعبية إمكانية الدخول من الهواتف المحمولة على الإنترنت تقدم شركات توفير الخدمة والمحتوى مثل «فيسبوك» إمكانية الدخول غير المحدود إلى أكثر المحتوى شعبية على الإنترنت. وبالنسبة لما تبقى من بؤر عدم الاتصال بالواقع الرقمي، فإن توافر الخدمة والكلفة لم يعد من العقبات الرئيسة. وبينما يجد معظمنا صعوبة في أن يبتعد قليلاً عن الشاشات، ولو لدقائق، يصرح الأشخاص غير المتصلين بالإنترنت، وخاصة كبار السن والريفيين والأقل تعليماً للباحثين عادة أن السبب الرئيس لعدم اتصالهم بالإنترنت، هو أنه لا يوجد شيء يهمهم على الشبكة. ومع الأخذ في الاعتبار الأهمية المتزايدة للإنترنت في التعليم والرعاية الصحية والحصول على الوظائف، فإن غير المتصلين مخطئون بشأن عدم صلة الإنترنت بهم. لذا فإن التركيز الآن يتعين أن ينصب على إقناعهم بالانضمام إلينا. وتتمثل جاذبية الإنترنت في أنه كلما تزايد عدد المنضمين إلى الشبكة زاد قيمة كل اتصال جديد، مما يوضح ما يطلق عليه الاقتصاديون تأثيرات الشبكة. وهذا يعني أن المجتمعات غير الموجودة على القرية العالية للإنترنت ذات قيمة بالنسبة لنا بقدر قيمتنا بالنسبة لهم إن لم تكن قيمتهم أكبر. *مدير مشروع في مركز الاقتصاد والسياسة العامة بجامعة جورج تاون. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»