إنها قصة شركة طموحة للنقل الجوي، ابتدعت طرقاً غير تقليدية لاختيار وتعيين موظفيها، وخفضت أسعار خدماتها للدرجة التي ضمنت لها احتكار السوق المحلية والإقليمية، ومن المرجح أن تصيب حتى الشركات الأجنبية بالإحباط. إلا أنها تواجه الآن مشاكل تنظيمية ومقاومة عنيفة من الشركات الأخرى التي تعمل في اختصاصها ذاته. والشركة التي نتحدث عنها تدعى «أوبر» Uber وترفع شعار «سوف نحلق في السماء»، وهي أوروبية وليست أميركية. ويعود تأسيس هذه الشركة النرويجية للطيران ذات الأجور المنخفضة، لعام 1993، إلا أنها لم تتوقف عن التوسع ونشر خدماتها على أوسع نطاق خلال العقد الأول من القرن الحالي، ورفعت من ميزانيتها المالية عن طريق الإدراج الأولي لأسهمها في البورصات، واشترت أسطولاً من أحدث طرازات طائرات بوينج وإيرباص. وقبل ثلاث سنوات، أطلقت خدمات الرحلات ذات المدى البعيد وخاصة إلى الولايات المتحدة بأسعار منخفضة لتصيب بذلك هدفاً أخطأته شركات طيران أوروبية شهيرة أخرى مثل «ريان إير» و«إيزي جيت». ويمكن القول إن أجور السفر الجوي إلى المدن الأميركية في النرويج أصبحت الأكثر انخفاضاً بسبب بعض الإجراءات الذكية التي اتبعنها الشركة مثل تصغير المقاعد بهدف زيادة عددها. وكمثال على ذلك، رفعت الشركة عدد مقاعد الطائرة بوينج 787 المعروفة أكثر باسم «دريملاينر»، من 240 إلى 344، وخفضت أجور استخدام وسائل الراحة على متن الطائرات مثل البطانيات وسماعات الأذنين. كما أن نسخة الطائرة «دريملاينر» التي تستخدمها شركة «أوبر» مصنوعة خصيصى من أجلها، وتتميز بفعاليتها العالية في استهلاك الوقود لتقطع بذلك مسافات أبعد بتكاليف أقل، وبما خفّض أيضاً من معدل تكلفة قطع المسافر الواحد لكل ميل. ولعل من المفارقة أن النرويج ليست الملاذ المفضل لشركات الطيران ذات الأجور المنخفضة. فهي تحتكم إلى قانون صارم للعمل، والضرائب فيها مرتفعة جداً. ويضاف إلى ذلك أنها ليست عضواً في الاتحاد الأوروبي، وبالتالي فهي لا تستفيد من «اتفاقيات السماء المفتوحة» المعمول بها في دول الاتحاد. ولهذا السبب فإن طائرات شركة «أوبر» التي يوجد مقرها في أوسلو لا يمكنها أن تستخدم مطارات لندن مثلاً كقاعدة لإطلاق رحلاتها إلى كندا أو دول أميركا اللاتينية. ولهذه الأسباب، عمدت الشركة النرويجية منذ بداية العمل في مشاريع توسيعها على الاستفادة من فرعها في إيرلاندا المسجل هناك تحت اسم شركة «الطيران النرويجية العالمية» NAI من أجل إطلاق رحلاتها عبر المحيط الأطلسي. وفي شهر ديسمبر من عام 2013، وجهت طلباً رسمياً إلى وزارة النقل الأميركية للموافقة على افتتاح فرع لها في الولايات المتحدة، ولكنها لم تتسلم جواباً على طلبها حتى الآن على الرغم من الوقت الطويل الذي انقضى على تقديمه. ومؤخراً، تقدمت بطلب مماثل لوزارة النقل البريطانية ولم تتلقّ ردها أيضاً. وتكمن نقاط تفوق الشركة النرويجية في اعتمادها على أساليب ذكية لتوظيف الطيّارين وطاقم الطائرة. ويتم توظيف الطيارين عبر شركة سنغافورية رائدة متخصصة بهذه الخدمات فيما تعتمد على شركة تايلاندية متخصصة بتأمين الموظفين المختصين بالخدمات داخل الطائرات كالمضيفات والمضيفين. ولا تختلف الرواتب التي تدفعها لهم كثيراً عن تلك التي تدفعها شركات الطيران الأخرى، ولكنها تتحمل تعويضات أقل بكثير من تلك التي تتحملها الشركات الأوروبية عند إعفاء الموظفين من الخدمة أو إحالتهم على التقاعد. وتلقى المحاولات النرويجية للتوسع في الولايات المتحدة الدعم من الاتحاد الأوروبي. وتجسد هذا الدعم من خلال رسالة غاضبة وجهتها «فيوليتا بولك» المفوضة الأوروبية للنقل إلى وزير النقل الأميركي «أنتوني فوكس» في شهر يوليو، قالت فيها إن المشاكل التي تعاني منها شركة الطيران النرويجية يمكن أن تضرّ بالعلاقات التجارية الثنائية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وقالت «بولك» إنها تفكر بعرض القضية على التحكيم الدولي. وتلقّت على رسالتها ردّاً عنيفاً من «بيل شوستير» رئيس لجنة النقل في الكونجرس اتهم فيها النرويج بأنها تحاول «زرع نبتة سامة في التربة الخصبة لنظامنا العالمي للطيران». ويذكر أيضاً أن الولايات المتحدة لديها نموذج مشابه لشركة «أوبر» ولكن في خطوط طيرانها الداخلي فقط، إلا أن العديد من الدول الأوروبية ترفض استيراد أو تبنّي مثل هذا النظام. ليونيد بيرشيدسكي* *محلل سياسي روسي مقيم في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»