لأول مرة في السياسة الأميركية الحديثة يواجه التصويت الشعبي خياراً بين مرشحين يحظيان بمعدلات تأييد سلبية بشكل غير مسبوق في استطلاعات الرأي على مستوى البلاد. والأرقام في الآونة الأخيرة تشير إلى أن 53% من الأميركيين لديهم وجهة نظر غير مؤيدة لهيلاري كلينتون، وعدم التأييد لدونالد ترامب أعلى قليلاً عند 61%، بينما أظهر استطلاع رأي يومي لرويترز إبسوس، الجمعة الماضي، أن هيلاري تتقدم بخمس نقاط مئوية على منافسها الجمهوري بين الناخبين المحتملين. وأظهر الاستطلاع أن 41% من الناخبين يؤيدون هيلاري قبل انتخابات الثامن من نوفمبر بينما أبدى 36% دعمهم لترامب، ولم يختر 23% أياً من المرشحين وردوا على السؤال إما برفضهما أو باختيار آخر أو بأنهم لن يصوتوا. ولا عجب إذن في أن تكون الحملات الانتخابية أحداثاً للغضب وإطلاق النعوت السلبية بينما تهيمن الإعلانات المعادية على شاشات التلفزيون التي يشتد التنافس عليها فيما يعرف باسم «ولايات أرض المعركة». وتجنبت هيلاري وترامب المؤتمرات الصحفية الكبيرة منذ شهور، لأنهما يعلمان أن غالبية الأسئلة التي سيطرحها الصحفيون تتعلق بأكثر الجوانب السلبية في تصرفاتهما وسياساتهما. وما زال يطارد هيلاري استخدامها غير الملائم للبريد الإلكتروني أثناء توليها حقيبة الخارجية وسلوكها أثناء وبعد الهجوم على القنصلية الأميركية في مدينة بنغازي الليبية عام 2012 حيث قتل السفير الأميركي، وهناك شكوك دائمة بشأن مدى لياقتها الصحية للمنصب. والقصص الصحفية لديها معين لا ينضب بشأن قائمة سلوكيات ترامب غير الموفقة أثناء الحملة الانتخابية والأسئلة القائمة منذ فترة طويلة بشأن نشاطه الاقتصادي في مجال العقارات وتتضمن انتهاكاته لحقوق الإنسان بشأن التمييز ضد الأميركيين الأفارقة برفضه تأجير ممتلكاته لهم. وإلى ذلك، تعاني هيلاري من افتقار غالبية الأميركيين للثقة فيها بعد أن تابعوا حياتها العامة منذ أن تولى زوجها بيل كلينتون الرئاسة عام 1992. وأكبر الجوانب السلبية عند ترامب في استطلاعات الرأي مصدرها الأقليات، وأكثرهم من الناخبين الكاثوليك الذين يعتقدون أن طريقته وسلوكياته العدوانية غير لائقة، وأنه غير مناسب لأن يكون رئيساً لأميركا. ومع الأخذ في الاعتبار هذه الجوانب السلبية سيكون الشهران المقبلان حاسمان في ما إذا كان أي من هذين المرشحين يستطيع تعديل نهجه وصورته كي يفوز بأغلبية أصوات المجمع الانتخابي في الثامن من نوفمبر، وفي الأيام المقبلة سيحاول ترامب تقديم مجموعة متماسكة من التوصيات السياسية في قضيته الانتخابية المحورية والمتعلقة بالهجرة غير الشرعية، وما يجب فعله حيالها، وتحدث تقرير لرويترز، الثلاثاء الماضي، عن اجتماع لترامب مع الرئيس المكسيكي إنريكي بينا نييتو في زيارة جرى الترتيب لها على عجل إلى المكسيك قبل ساعات من إلقاء ترامب كلمة يتوقع بشكل كبير أن تتناول نهجه في التعامل مع الهجرة غير المشروعة. وستحاول هيلاري تعديل خطابها بشأن نهجها فيما يتعلق بالرعاية الصحية والتعليم، مع دأبها على الإشارة إلى عدم لياقة ترامب لأن يكون رئيساً. لكن الاختبارات الحقيقية ستأتي مع المناظرات الرئاسية المقرر عقدها في 26 سبتمبر وفي يومي 9 و19 أكتوبر، ومن المقرر إجراء مناظرة لنائبي المرشحين الرئاسيين في 4 أكتوبر، وتثور تكهنات واسعة بشأن مدى استعداد المرشحين لهذه المواجهات التي ستحظى بمشاهدة كبيرة في التلفزيون. ولعل هيلاري أفضل استعداداً في تعاملها مع الحقائق والأرقام، وستعتمد على خبرتها الواسعة، كسيدة أولى سابقة وكسيناتور سابق عن ولاية نيويورك وكوزيرة للخارجية في إدارة أوباما الأولى، وهيلاري متمرسة على مواجهة الأسئلة الصعبة من المحاورين غير الودودين، وباعتبارها محامية محنكة، فهي تعرف كيف تتجنب الإجابات الغاضبة، لكن لا أحد يستطيع التنبؤ بكيفية تصرف ترامب، ففي المناظرات العديدة خلال الانتخابات التمهيدية واجه ترامب خصومه الجمهوريين بضراوة، وما شاهده الجمهور كان مباريات من الصراخ وإطلاق النعوت السلبية. هذا النهج لن يجدي نفعاً في مناظرة وجهاً لوجه مع المرأة الأولى التي تخوض السباق كي تصبح رئيساً للبلاد، وعلى الجانب الآخر، أخفقت مساعي ترامب في الالتزام بمخطط معين أو التحلي بسمت الرؤساء، فهو يميل لأن يكون أكثر ارتجالاً وتحرراً من القيود في نهجه، ساعياً لأن يوضح للعالم أنه نوع مختلف من المرشحين ينجز الأمور بشكل مختلف إذا فاز بالمنصب. ومن الواضح أنه بنهاية مساء 19 أكتوبر سيكون لدى الجمهور الأميركي معلومات كافية لاتخاذ قرار بشأن من سيصوتون بعد ذلك بأسبوعين ونصف الأسبوع، وما لم تحدث مفاجأة في أكتوبر في اللحظة الأخيرة، مثل وقوع هجوم إرهابي داخل البلاد أو مشكلة صحية لأي من المرشحين أو كارثة عالمية، فإن استطلاعات الرأي تعكس السلوك المحتمل للناخبين في يوم الانتخابات شريطة أن يستطيع المرشحان إقناع أنصارهما بالذهاب إلى قمرات التصويت على امتداد البلاد.