استمعت في مجلس من مجالس المثقفين المصريين والعرب بالقاهرة إلى جدل بين فريقين حول السلام البارد والسلام الدافئ مع إسرائيل. تعريف السلام البارد أنه ذلك الذي يقوم بين الحكومات طبقاً لمعاهدات أو اتفاقيات ويكون التطبيع في إطاره بين المؤسسات الرسمية المعنية، أما السلام الدافئ فيقصد به إقامة علاقات طبيعية بين الشعوب العربية وإسرائيل، بحيث يصبح طبيعياً تبادل الوفود والعروض الفنية والثقافية والجامعية وإقامة علاقات تجارية، وما إلى ذلك من أنشطة مما نتبادله مع الشعوب الأوروبية مثلاً. لاحظت أن أنصار السلام الدافئ بهذا المعنى ينطلقون من فكرة تفيد بأن هناك حالياً تعارضاً بين المصالح الوطنية التي تتحقق من خلال التعامل مع إسرائيل في مجال مكافحة الإرهاب مثلاً وبين استمرار الالتزام الرسمي والشعبي المصري بالقضية الفلسطينية، لأن هذا الالتزام يفرض على جماهير المصريين مقاطعة إسرائيل في الوقت الذي تطالب فيه إسرائيل أن يكون السلام دافئاً. هنا أوضح أنصار السلام البارد الخالي من التطبيع الشعبي أنهم يعتقدون أن مقاطعة إسرائيل شعبياً تمثل أمرين: الأول أنها تعكس تعاطف الجماهير المصرية مع المأساة الفلسطينية، وأن إسرائيل هي التي تغذي هذه المقاطعة بتعنتها في مفاوضات السلام وتصميمها على الاستيطان في الضفة الغربية وقمع الفلسطينيين والتعدي على المقدسات الإسلامية في القدس. الأمر الثاني أن هذه المقاطعة الشعبية التلقائية تمثل ورقة ضغط تفاوضية قوية في يد الرئيس السيسي لإقناع الطرف الإسرائيلي في إطار مبادرته لتحقيق السلام والحل العادل بضرورة التجاوب مع مبادئ مبادرة السلام العربية الصادرة عن قمة بيروت والسارية حتى اليوم. أجاب فريق السلام الدافئ بالقول إن المصلحة الوطنية المصرية يجب أن تسبق المصلحة الفلسطينية خصوصاً مع الصراع الشديد القائم بين «فتح» و«حماس» وأنه إذا اقتضت المصلحة المصرية في مكافحة الإرهاب إدخال الدفء على العلاقات مع إسرائيل فيجب إعلاء المصلحة الوطنية خصوصاً أن الفصيلين الرئيسيين في الساحة الفلسطينية لا يعبآن بالمصلحة الوطنية للشعب الفلسطيني ويواصلان الشقاق والصراع منذ سنوات عديدة إعلاءً لمصالحهما الذاتية. وأضاف أنصار السلام الدافئ أننا لا يجب أن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم. هنا أجاب أنصار السلام البارد بأن مصر ملتزمة بحكم دورها التاريخي وبحكم كونها الدولة العربية الأكبر بحقوق الشعب الفلسطيني بغض النظر عن العبث من جانب القوى السياسية الفلسطينية وصراعاتها. هنا أجاب الفريق الآخر بالقول: لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وإن مصر قدمت تضحيات هائلة من زهرة شبابها وحيوية اقتصادها ورفاهية شعبها على مذبح الحروب مع إسرائيل المدعومة من الغرب لعقود. ثم يضيف أنصار السلام الدافئ: عليكم أن تنتبهوا إلى الظروف الحالية التي تمر بها مصر في مكافحة إرهاب «داعش» في سيناء، ذلك أن إسرائيل تتجاوب مع مطالب مصر في إدخال قوات ضخمة إلى سيناء على غير ما تقضي به معاهدة السلام، وهذه مصلحة مصرية عليا تبرر الاستجابة للمطالب الإسرائيلية في السلام الدافئ. هنا أدليت بدلوي في النقاش وقلت إن الرئيس السيسي لوّح للإسرائيليين بجزرة السلام الدافئ مع مصر والعرب (وليس مصر وحدها) إذا ما استجابت لمقتضيات حل المشكلة الفلسطينية حلاً عادلاً، وبالتالي فإن خطاب الرئيس في أسيوط في مايو الماضي وضع الحصان، وهو حل المشكلة الفلسطينية، أمام العربة، وهي السلام الدافئ، فلماذا تقلبون الأمور وتريدون وضع العربة أمام الحصان؟ هنا توقف الجدل بين الفريقين.