يبدو أن الزواج السياسي العرفي بين إيران وتركيا في طريقه إلى أن يصبح زواجاً دائماً، ونرى تركيا تزحف ببطء ولكن بثقة نحو التحول إلى القوة الكبرى في المنطقة وشرطي الشرق الأوسط الأول بعيداً عن أحلام تتمثل في أنها أمل الأمة الإسلامية وحكومة مسلمة، فهي إسلامية بالشعارات وعلمانية قومية متطرفة بالفعل، فانهضوا من سباتكم.. أم تنتظرون مرور 100 عام لتروا أن عظام «الإسلام السياسي» قد كُسيت لحماً؟ ففي تركيا الدعارة قانونية ومنظمة. وهناك أكثر من 15 ألف بيت دعارة وأكثر من 300 ألف عاهرة، ودخل تلك البيوت يدخل ضمن الدخل القومي لتركيا، فتركيا دولة إسلامية كشعب وضمن الشعب إسلام خاص لكل جيل، ولكن إن أردت أن تسيطر على عقول البسطاء استخدم كلمة الدين بين كل كلمة وكلمة وستهلل الجماهير «وا أردوغانا»، وهو جالس يتناول وجبة العشاء في تل أبيب مع بنيامين نتنياهو، بينما دبابات الصهاينة تدوس صغار ونساء وشيوخ المسلمين العزل، ويظهر على شعبه في تسجيل تم إعداده مسبقاً يقول فيه: الموت لإسرائيل! فالسياسة عالم معقَّد لا مكان فيه لضعاف القلوب والمثاليين والكذب والنفاق له مسميات جميلة يتكفل به الدبلوماسي الذكي، ولذلك فإن ما يدور في الفناء الخلفي للسياسة العربية محرقة هي الكبرى في تاريخ البشرية، وتركيا وإيران ليستا إلا جامعي حطب لإبقاء النار مشتعلة حتى تصلان إلى مبتغاهما، ومن جانب آخر يشتعل الصراع الدولي لكسب ود الحسناء «تركيا الفتاة الإسلاموية». ولن تدع الولايات المتحدة الساحة خالية للروس والصينيين، وستتقرب بدورها من تركيا، وتكون حليفاً رئيسياً لها في جهود تعديها على سيادة الأراضي السورية، وكأن «داعش» ليس صناعةً مرحلية لمرحلة سياسية إقليمية وتنتهي عندما تستوفي أسباب صناعتها، وفي السياق نفسه كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أوائل قادة العالم في محادثة ودعوة رجب طيب أردوغان بعد ساعات فقط من فشل محاولة انقلاب يوليو، معرباً عن دعمه الكامل لأنقرة وحكومتها وعلى أثر ذلك توجه أردوغان إلى موسكو مع وفد رفيع المستوى، وهناك، تقرر أن العلاقات يجب أن تعود إلى ما كانت عليه قبل حادث سقوط الطائرة المقاتلة الروسية. وبعد رجوع طيب أردوغان من زيارة موسكو وصل وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى أنقرة، وفور انتهاء الزيارة دعا رئيس الوزراء التركي وسائل الإعلام في بلاده لمؤتمر صحفي وصرح بأنه يستبعد تغييرات كبيرة في الأشهر المقبلة في سوريا، فالاتفاق تم قبل تمثيلية الانقلاب، وسار كل شيء وفق ما هو مخطط له ضمن سيناريو النمر الجريح، أردوغان. وكل ما يجري من أحداث جميعها تصب في أن يصبح الحاكم المطلق لتركيا ومساندة حلم بوتين في إضعاف «الناتو» بأي ثمن وبأي وسيلة، باعتبار تركيا عضو حلف شمال الأطلسي، وكممر للغاز الطبيعي الروسي، وسيلعب أردوغان دور الوسيط بين روسيا وأميركا لإيجاد تسوية سياسية في سوريا وبقاء نظام بشار الأسد. ومن جهة أخرى ستعمل روسيا جاهدة على عقد صفقة ستكون الأكبر مع الجانب المصري مقابل التسليح والتدريب والدعم السياسي وإقناع الصين بلعب الدور نفسه. والخوف كل الخوف من الذي تأمن جانبه وتخطط بالسفر المشترك معه، وله وجهة سفر مختلفة تماماً عنك، وإعلامه جاهز للنيل منك بإشارة صغيرة، كي يشن غزوة الشيطنة والتخوين. وبدورها تركيا قررت بيع العالم الإسلامي بثمن بخس وهي مستعدة لمساعدة إيران لتحافظ على وحدة أراضي العراق كدولة مذهبية وإيران من شأنها أن تفعل الشيء نفسه في سوريا لتركيا، فالتهديد الكردي للوجود الإيراني التركي كدول، يجمع بين أعداء الأمس، ويجعلهم أصدقاء الواقع السياسي. وبالنسبة إلى تركيا فإن الإسلام الشيعي أقرب لعقلية الإسلام السُّني التركي ببعده الصوفي، وتعتبر الإسلام السُّني في بعض القوى الإقليمية الكبرى تهديداً وليس العكس، وغير متوازٍ مع المصالح التركية.. والأتراك يعلمون أن وحدة العرب مهدد حقيقي لطموحاتهم التوسعية، ولن يحدث إلا بعد السلام الدائم مع إسرائيل، وهو ما لن يتفق عليه العرب أبداً. ومن جهة أخرى، فإن تركيا تتعاون عسكرياً مع الجانب الإسرائيلي والجانب الصيني.. ويقلقني كثيراً التقارب العربي الأحادي التوجه لتركيا.. وجميل أن تملك حلم معاوية ودهاء عمرو بن العاص، ولكن لا بد أن تشحذ سيف خالد مع كل ما يحاك حولك من مؤامرات. سالم سالمين النعيمي* *باحث وكاتب إماراتي متخصص في التعايش السلمي وحوار الثقافات.