لعل من المفارقات الغريبة أن يقع وادي كشمير الجميل، والمحاط بالجبال ذات القمم السامقة المغطاة بالجليد، تحت النار قبل يومين، والاضطرابات المتزايدة في الإقليم عززت المخاوف من أن تعود هذه الولاية المتعَبة إلى دورة العنف التي سبق لها أن شهدتها. وأدى إقدام القوات الهندية على قتل الناشط الانفصالي الكشميري «برهان واني» الشهر الماضي، إلى انطلاق مظاهرات احتجاجية واسعة النطاق. ولم تتمكن القوات الحكومية والأمنية من السيطرة على الموقف والتصدي للمتظاهرين من الشبّان الكشميريين. وبرهان واني، شاب كشميري في مقتبل العمر اشتهر بنشاطه على شبكات التواصل الاجتماعي حتى تمكن من توصيل رؤاه إلى قطاع واسع من الشبان الكشميريين. وفي الوقت الذي كان فيه نشاطه محدود الأثر عندما كان حيّاً فإن موته كان سبباً في وقوع اضطرابات عارمة لا يبدو أن إخمادها سيكون قريباً. وتواصلت التظاهرات واتسعت، فيما أدى إطلاق الجيش للرصاص الحي على المتظاهرين إلى إصابة مئات المدنيين بجروح، وهو ما زاد من حدة الغضب في أوساط الشبان. ولا زالت المحال التجارية والمدارس مغلقة في كشمير منذ أكثر من شهر بسبب الأوضاع غير الآمنة. وبلغ عدد المدنيين الذين قتلوا خلال المظاهرات التي شهدتها كشمير أكثر من 70 قتيلاً و5000 جريح مع استمرار موجات التظاهر بسبب التدخل العنيف لقوات الأمن ضد المتظاهرين الذين كانوا يقذفونهم بالحجارة. وبعد أن أطلق الجيش عمليات بحث عن الناشطين من بيت إلى بيت لملاحقة منظمي تلك التظاهرات، عمد إلى اعتقال أستاذ جامعي من بيته الأسبوع الماضي، ثم قام بتسليم جثته إلى ذويه في اليوم التالي، حيث ظهر أنه مصاب بجروح بليغة وهذا ما أثار المزيد من الغضب في أوساط الشعب الكشميري. وكان من الواضح أن محاولة الحكومة للسيطرة على الموقف باءت بالفشل، وبما يؤكد الحاجة العاجلة للبحث عن حل سياسي والاهتمام أكثر بشعب كشمير الذي يشعر بأنه منعزل عن بقية الوطن. وكانت تبعية كشمير قضية خلاف بين الهند وباكستان منذ عدة عقود. وتعتبر الهند كشمير إقليماً تابعاً لها، وهذا ما ترفضه باكستان. وسبق للبلدين أن خاضا حربينبسبب الخلاف على كشمير من دون أن تُحل المشكلة. وتبدو الحدود المشتركة بين البلدين دائمة النشاط، بحيث لا يكاد يمر يوم من دون حدوث تبادل كثيف لإطلاق النار بين الطرفين. ومع تصاعد الأزمة الكشميرية، حمّل رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي باكستان مسؤولية التوتر القائم هناك، وقال: إن باكستان ستتحمل مسؤولياتها أمام العالم عن الجرائم الوحشية التي ترتكب في الجانب الباكستاني من كشمير بالإضافة لإقليم بلوشستان. لكن توجيه إصبع الاتهام لباكستان لن يساعد على التخفيف من حدة التوتر ولا أنيقنع الكشميريين بأن الحكومة جادة في معالجة القضايا التي تثير غضبهم. وعلى أن الشيء الذي يتطلبه الأمر هو اتخاذ الحكومة الهندية لإجراءات عاجلة من شأنها أن تزيد الثقة في أوساط شعب كشمير. ومنها إيقاف استخدام الرصاص الحي من طرف قوات الجيش التي قتلت وأصابت مئات الكشميريين بجروح رجالاً ونساء وأطفالاً. وكان مما فاجأ الكثير من الناس أن لا يتم فعل أي شيء للتخفيف من معاناة الكشميريين، كتلك الإجراءات المعتمدة في بقية ولايات الهند ضد الناشطين المطالبين بتطبيق حقوق الإنسان، وهم الذين يتحدثون عن الحاجة إلى لمسة علاجية لمواجهة الأوضاع المتردية في كشمير. ولقد واجهت منظمة العفو الدولية متاعب بسبب ادعاء الجناح الطلابي في حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم بأن الشرطة كانت تتصدى لدعوة الناشطين للعصيان المدني. وجاء في الشكوى، أن المنظمة الطلابية اتهمت المنظمةبأنها تقف وراء تزايد موجة الشعارات غير الوطنية التي رُفعت في احتفال أشرفت على تنظيمه جماعة تعمل على فضح انتهاكات قوات الأمن الهندية لحقوق الإنسان في ولاية كشمير. وبدلاً من العمل على استجلاء الحقيقة الكامنة وراء هذا الزعم، سارع المسؤولون الأمنيون إلى إغلاق مكاتب «أمنيستي» كلها في الولاية وكأنهم كانوا يتحيّنون مثل هذه الفرصة. لقد كانت مشكلة التبعيّة السياسية لكشمير، والبحث عن حل لها، تمثل تحدياً أمام الحكومات الهندية المتعاقبة. ولم تتمكن أي منها من التوصل إلى صيغة مقبولة بشأنها. ويبدو من الواضح أن «مودي» الذي يرأس حكومة الأغلبية في البرلمان لا يمكنه أن يتخذ بهذا الشأن قراراً يحيد عن مواقف الحكومات الائتلافية السابقة. لكنه يحتاج الآن لاستغلال وجود حزبه على رأس السلطة على المستويين الفيدرالي والولائيمن أجل وضع استراتيجية عملية لحل المشكلة. وهذا يتطلب منه أيضاً زيارة باكستان وإجراء محادثات مع إسلام آباد. وأما القول بأن باكستان ليست طرفاً في هذا النزاع، فإنه لا يعد أكثر من إغماض الأعين عن الحقيقة. *مدير المركز الإسلامي في نيودلهي