من بين أهم الأطروحات التي طلع بها باراك أوباما في بداية فترة ولايته الرئاسية الأولى، دعم الانتفاضة الإيرانية التي اندلعت يوم 12 يونيو من عام 2009 على خلفية الإعلان عن فوز محمود أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل. فماذا سيكون الحال لو قدم أوباما المزيد من الدعم للمتظاهرين المحتجين على نتائج تلك الانتخابات في وقت بدا فيه وكأن النظام الإيراني بات يترنح؟ يعرف كثيرون الآن أنه كان بطيئاً في تعامله مع ذلك الملف. ويمكن أن يُعزى هذا الموقف إلى أنه قد خفّض من سقف توقعاته فيما يتعلق بإمكان حدوث تغيّر سياسي حقيقي في إيران في بداية الأمر، وكان يعتقد أن المرشحين الذين فازوا بتأييد مئات الآلاف من الإيرانيين، كانوا يخاطرون بحياتهم ولا يمثلون في حد ذاتهم تغييراً جوهرياً في الأسس التي يقوم عليها نظام الملالي. وعندها آثر أوباما تجنّب الحديث عن الموضوع في نهاية الأمر، وكان يتهرب من القول إن نتيجة الانتخابات صُودرت، وقد صرّح: «إن العالم يتابع بشيء من الدهشة مشاركة المعارضة بغض النظر عن النتيجة التي ستؤول إليها الانتخابات». إلا أن أوباما لم يكتفِ بعدم إظهار تضامنه مع انتفاضة 2009، بل كان يتخوف أيضاً من أن يفسد المتظاهرون جهوده السرية الرامية للتقارب مع إيران. وفي كتاب جديد بعنوان «الحروب الإيرانية» The Iran Wars لمؤلفه جاي سولومون، المحقق الصحفي في صحيفة «ذي وول ستريت جورنال»، يكشف عن تفاصيل جديدة حول مدى عزوف أوباما عن مساعدة «الحركة الإيرانية الخضراء» الرافضة لانتخاب نجاد، التي كانت بقيادة مير حسين موسوي ومهدي كروبي وبتأييد حسين علي منتظري. ومن خلف كواليس البيت الأبيض، كان أوباما يعارض آراء كل مستشاريه الذين تمنّوا عليه أن تفعل أميركا ما اعتادت أن تفعله في حالات مشابهة عندما يتعلق الأمر بالانتقال من الحكم الديكتاتوري إلى الديموقراطية، ونصحوه بتقديم الدعم الأميركي للحركة الخضراء. وفي هذا السياق قال سولومون في كتابه إن أوباما أمر وكالة المخابرات المركزية بقطع كل اتصالاتها مع مؤيدي الحركة الخضراء، وعلق سولومون على ذلك قائلاً: «تعمل الوكالة وفق خطط جاهزة سلفاً لدعم الانتفاضات الديموقراطية في كل مكان من العالم. وتشتمل هذه الخطط على تجهيز المنشقين والمعارضين بأجهزة الاتصالات والأموال وحتى الأسلحة في بعض الحالات المعقدة. ولكن، في حالة الحركة الخضراء، جاءت الأوامر من البيت الأبيض بتجنب تطبيق هذه الخطط». وفي ذلك الوقت، كما يقول سولومون، تسلّم مساعدو أوباما رسائل ذات مضامين مختلطة. فقد أراد المعارضون الإيرانيون في الشتات من أوباما أن يقدم الدعم المناسب للانتفاضة. وأما المنشقّون والمعارضون للحكم داخل إيران فقد رأوا أن مثل هذه المساعدة لن يكون إلا بمثابة «قبلة الموت»! وفي النهاية، لم يفعل أوباما شيئاً. ورغم ذلك، تلقى توبيخاً من المرشد الأعلى بسبب محاولاته الهادفة إلى تصعيد الثورة الداخلية. ومن المهم الآن أن نعبر عن اعتراضنا على موقف أوباما بسبب تجاهله للطريقة التي كان من واجبه أن يتعامل بها مع الانتفاضات الديموقراطية بشكل عام. وعلى سبيل المثال، كانت وزارة الخارجية الأميركية قد اعتمدت في عام 2000 برنامجاً أرسلته إلى سفارتها في المجر يقضي بتدريب النشطاء الصـربيين على إطلاق حركة مقاومة غير مسلحة ضد الديكتاتـور الذي كان يحكمهم ســلوبودان ميلوسـوفيتش. وكان مليوسوفيتش بدوره قد اتهم المعارضة الصـربية بأنها تعمل بوحي من أوامر صـــادرة عن الحكومة الأميركية. إلا أن الأمر انتهى بأن تمكن الشـعب من عزله عن السلطة. وعلى نحو مشابه، عندما فوجئ الرئيس الجيورجي إدوارد شيفرنادزه بالتظاهرات العارمة المناهضة لحكمه في عام 2003 على خلفية تزوير الانتخابات الرئاسية، أرسل له الرئيس بوش الابن مبعوثه الخاص جيمس بيكر لإقناعه بالتنحي عن السلطة بطريقة سلمية، وهو ما فعله. ومن المعروف أن إدارة أوباما قدمت الدعم الدبلوماسي والمعنوي للانتفاضة الشعبية في مصر عام 2011 وأوكرانيا عام 2014. إلا أن الحالة الإيرانية تبدو مختلفة تماماً من وجهة نظر أوباما. وقد حاول منذ بداية فترة رئاسته الأولى تحويل الملالي الذين يحكمون إيران من خصوم إلى أصدقاء! وبمعنى أبسط، كان يتطلع لاحتوائهم. ورغم أنه لم يمانع في فرض العقوبات الاقتصادية على إيران عند نهاية فترة رئاسته الأولى وبداية الفترة الثانية، فإن موقفه كان واضحاً منذ البداية بأن الولايات المتحدة لا تريد تغيير نظام الحكم في إيران. وقد يكون مما يثير الجدل، التساؤل حول ما إذا كانت الولايات المتحدة قد سبق لها أن تبنّت مثل هذه السياسة. إلا أن مما يستثير الدهشة هو المدى الذي ذهب إليه أوباما في التمسك بموقفه هذا من إيران. ويلفت سولومون الانتباه في كتابه إلى أن أوباما أمر بوقف العمل تماماً بالبرامج الأميركية لفضح انتهاكات حقوق الإنسان في إيران. ووجّه عدة رسائل شخصية إلى علي خامنئي أكد له من خلالها أن الولايات المتحدة لم تحاول العمل على عزله عن السلطة. وكثيراً ما شدد أوباما على احترامه للنظام الإيراني في تصريحاته المتكررة كلما حل موعد الاحتفال بعيد النوروز الإيراني.ويبدو أن سعيه لاستمالة الملالي قد أثر على آلته الخاصة بصناعة القرار في قضايا أخرى. وعندما تجاوز «خطه الأحمر» باستخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية عام 2013، وفقاً لما قاله سولومون، جاء ذلك بعد أن قال له المسؤولون الأميركيون والإيرانيون إن المحادثات المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني ستتوقف إذا تدخل في سوريا ضد نظام الأسد. ولا ينسى سولومون الإشارة في كتابه إلى أن أوباما تمكن في نهاية المطاف من عقد الاتفاقية النووية مع طهران عام 2015، ويقدم لنا شرحاً مفصلاً عن المتاهة الدبلوماسية التي أدت إلى عقد تلك الصفقة، وعن العديد من جولات المفاوضات مع إيران في قضايا سياسية واقتصادية متنوعة عبر قنوات بالغة السرّية. إيلي ليك* * محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»