طلب حاكم ولاية لويزيانا، التي غمرتها مياه الفيضان، من الرئيس باراك أوباما تأجيل زيارة شخصية للولاية، كان يزمع القيام بها أثناء جهود الإغاثة. وطلب الحاكم الشيء نفسه من المرشح الجمهوري دونالد ترامب، وقال -وله الحق في ذلك- إنه في حين أن الإغاثة مرحب بها، إلا أن الزيارات التي تتم بغرض التقاط الصور التذكارية، ليست كذلك. ولكن، كما هو متوقع، طار المرشح الجمهوري إلى لويزيانا، وصافح بعض الأشخاص، ووقع بعض الأتوجرافات، وجرى تصويره وهو ينقل صندوق مواد إغاثة من شاحنة.. ولو كان قد كتب شيكاً مصرفياً، لكانت حملته أو أي شخص آخر قد ذكر ذلك.. ويا له من عمل رائع، يا «دوني»! إن أقل ما يمكن أن يوصف به سلوك ترامب، هو أنه سلوك فظ وشديد الأنانية. والموضوع الأهم حتى الآن، هو أن ترامب، حتى وهو يقوم بمحاولة خرقاء وبخيلة، لاستغلال كارثة لويزيانا الأخيرة، لتحقيق مكسب انتخابي، لم يتوقف عن انتهاج موقف سياسي، سيجعل من تكرار مثل هذه الكوارث أمراً أكثر احتمالاً. ودعوني أتوقف قليلاً لدقيقة، لكي أتحدث عن المعنى الحقيقي لفيضانات لويزيانا. إذا لم تكونوا متابعين للموضوع، فإنني أذكركم بأننا نقوم منذ بعض الوقت بتسجيل ارتفاعات قياسية في درجات الحرارة على مستوى العالم، وأن تلك الارتفاعات تحدث كل شهر تقريباً. ومن بين العواقب التي يمكن أن تترتب على زيادة حرارة الكوكب، تزايد مستوى التبخر، وزيادة مستويات الرطوبة في الهواء، وبالتالي زيادة احتمالات حدوث فيضانات كارثية. وكما كان الحال دائماً، ليس بمقدور أحد القول إن التغير الحراري كان هو السبب تحديداً في كارثة معينة. ولكن ما نستطيع أن نقوله هو أن الاحتباس الحراري يجعل من احتمال حدوث ظواهر جوية قاسية أمراً أكثر احتمالاً، بحيث إن ما كان يطلق عليه منذ 500 عام فيضانا -قد يحدث على فترات متباعدة- بات يحدث بشكل متكرر تقريباً في الوقت الراهن. والسؤال: ما الذي يمكن عمله في مثل هذه الحالة؟ الخبر السيئ أن الإجراءات الحاسمة اللازمة لخفض الانبعاثات الغازية، قد طال انتظارها. وأما الخبر الجيد فهو أن القاعدة التكنولوجية والاقتصادية لمثل هذه الإجراءات، لم تكن في يوم من الأيام أفضل مما هي عليه الآن. وعلى وجه الخصوص، نرى أن الطاقة المتجددة -الطاقة الشمسية وطاقة الرياح- قد أصبحت أرخص في السنوات الأخيرة، كما أن التقدم في وسائل تخزين الطاقة زاد بشكل مطرد من احتمالات حل مشكلة «التقطع» (أي كون الشمس لا تشرق دائماً، والرياح لا تهب بشكل دائم). وبمعنى آخر، فإننا قد أصبحنا نواجه خطراً واضحاً وقائماً، ولكننا نمتلك، مع ذلك، الوسائل والمعرفة الملائمة للتعامل معه. غير أن المشكلة تكمن في السياسة، وهو ما يعيدنا مرة أخرى إلى ترامب وحزبه الجمهوري. ولن تندهشوا على الأرجح، عندما تسمعون أنه عندما يتعلق الأمر بالتغير المناخي، كما هو الحال مع العديد من الموضوعات الأخرى، فقد ذهب ترامب في شططه إلى حد أبعد مما كان متوقعاً، حيث زعم أن الاحتباس الحراري ليس فقط خدعة، وإنما هو خدعة اختلقتها الصين تحديداً، لجعل أميركا أقل تنافسية. والمسألة الأخطر هنا أن ترامب ليس هو الوحيد الذي ذهب في شططه هذا إلى حد بعيد، بل هناك إن كثيرين غيره في الحزب الجمهوري يفعلون الشيء نفسه. وفي حين أن الجمهوريين يمكن أن يدعوا، فيما يتعلق بقضايا أخرى، أن مرشحهم الرئيسي لا يتحدث باسم الحزب، إلا أننا في حالتنا هذه نسمع منهم مزاعم مؤداها، أن ترامب ليس محافظاً حقيقياً، بل إنه في واقع الأمر ليبرالي، أو أن الليبراليين على الأقل هم الذين كانوا مسؤولين، بشكل ما، عن صعوده. ولكن عندما يتعلق الأمر بإنكار التغير المناخي، وتوظيف نظريات مؤامرة غريبة لشرح الأدلة على صحة هذا الإنكار، فإن ترامب يقف في قلب التيار الجمهوري الرئيسي. وربما أن ما يقوله محض هراء، ولكن أي شخص آخر كان سيتم ترشيحه عن الحزب الجمهوري، كان سينطق بنفس الهراء تقريباً. ولعل من المشوق أن نسأل: لماذا أصبح إنكار التغير المناخي أمراً ليس مقبولاً فحسب، وإنما مطلوباً بشكل ملح من قبل الحزب الجمهوري. قد يقول البعض إن ذلك يرجع لحقيقة أن قطاع الوقود الحفري يعتبر من أهم المساهمين للحزب، ولكن حدة العداء لتلك الظاهرة تظل زائدة أيضاً عن الحد المعقول. إن ما يحدث حسب ظني، هو أن إنكار التغير المناخي قد تحول إلى «بادج» أو شعار لهوية الجناح اليميني، وأن الأمر يتجاوز بكثير الدافع الخاص بمكافأة المتبرعين للحزب في قطاع الطاقة. وعلى أي حال، فإن الأمر المرجح هو أن هذه الانتخابات الرئاسية ستكون حاسمة بالنسبة لموضوع المناخ، بطريقة أو بأخرى. فأوباما من جانبه اتخذ عدة خطوات جدية للتعامل مع الاحتباس الحراري، وهناك العديد من الأسباب التي تدفع للاعتقاد بأن هيلاري كلينتون ستواصل هي أيضاً السير في نفس الطريق الذي انتهجه. وإذا ما أخذنا في الاعتبار الاختراقات التكنولوجية، التي حدثت في السنوات القليلة الماضية، فإن دونالد ترامب، من ناحيته، سيبذل أي شيء يستطيعه لتدمير الكوكب الأرضي بدعم متحمس من حزبه. وإذن، ما الذي سينتهي إليه الأمر. ابقوا معنا وسترون العجب! ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»