حين نهبت «طالبان» وحرقت بلدة استالف دفن صانعو الفخار في البلدة الواقعة في شمال أفغانستان، أدوات عملهم وهربوا كي ينجوا من الكارثة، ثم انبعثت القرية بعد ذلك من الرماد من جديد. والبلدة مشهورة بجمالها الطبيعي وبموقعها الاستراتيجي على الطريق إلى كابول. ولكن الآن، تعاني استالف مرة أخرى، والنجاة هذه المرة أكثر صعوبة، والخطر لا يتمثل في الناهبين ولكن في الإهمال، في الوقت الذي تصارع فيه الحكومة العنف المتسارع وانهيار الاقتصاد، ومع تراجع الوجود الأجنبي. والأفغان الذين كانوا يتنزهون على ضفاف نهر استالف أو يزورون مزارها الشهير توقفوا عن المجيء للقرية بسبب أحوال عدم الأمن في البلاد. ومع الارتفاع المزمن للبطالة تضاءل ما ينفقه زائرو البلدة على المصنوعات والأدوات الفخارية التي يسوقها البائعون في البلدة كمصدر دخل مهم. واختفى أيضاً الأجانب الذين كانوا ينزلون في القرية أحياناً ليوم واحد في الرحلة إلى كابول وحافظات نقودهم مملوءة بالمال. وهجرتها كذلك مكاتب المنظمات الدولية المختلفة التي سعت إلى مساعدة البلدة وسكانها، كما حدث في أنحاء كثيرة أخرى من البلاد. ولم يتبق من هذه المنظمات إلا لافتات صدئة تعبر عن مشاعر الأجانب الحسنة السابقة. وعلى إحدى اللافتات كتب «أمهات من أجل السلام» وهي جماعة بلجيكية كانت تنظم مشروعات لتعلم الإنجليزية ومحو الأمية، وتدير عيادة للأمومة والطفولة، وتنشط في التعليم الزراعي مع قسم لتعليم صناعة الفخار. والمتاجر في الشارع الرئيسي في استالف خاوية الآن من المشترين. وأحد التجار يدعى مير غلام رسول، ويبلغ من العمر 70 عاماً، قال: «لقد نسيت شكل الدولار» ليعبر عن الركود الشديد في حركة السوق! وبدوره ذكر «سكوت ليدل» مدير «جبل الفيروز» في البلاد، وهي جماعة غير حكومية تدرب الحرفيين الأفغان على صناعة الفخار، أن استالف تعتبر عالماً مصغراً للحياة الريفية على مبعدة أقل من ساعة بالسيارة من كابول. وهناك جماعة أخرى غير هادفة للربح أسسها زوجان أميركيان قدمت التمويل لترميم أكثر من 100 متجر في استالف، وبحلول عام 2007 تواترت التقارير الإخبارية التي تشيد بالبلدة باعتبارها قصة نجاح أفغانية. ولكن على رغم أن التنمية حسّنت حياة الناس فإن إحدى ركائز اقتصاد البلدة، وهي صناعة الفخار التي يرجع تاريخها إلى قرون، تعاني الآن كثيراً. وفي متجر آخر في الشارع التجاري، تحدث محمد إسلام مالك زاده عن النشاط التجاري لصناعة الفخار وتسويقه الذي كان قد بدأه جده. وقضي مالك زاده سنوات في سجن «طالبان» بعد أن أغار المتشددون على استالف في نهاية التسعينيات. فقد اعتقله مسلحو «طالبان» هو وآخرين من السكان وضربوهم بعد حرق منازلهم. وعادت الأسرة إلى استالف بعد سقوط «طالبان» وأعادت صناعة الفخار بمساعدة من جماعة «جبل الفيروز» التي عملت لتحسن نوعية السيراميك واستعادة اللمعان الطبيعي المميز التي يفترض أنها تساعد حرفيي استالف على تسويق بضائعهم في الخارج. ------------------ كريم فهيم ـ ـ ـــ ـــ ـ ــ ـ ـ صحفي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»