هل تنتهي ملاحقة الرئيس التركي «أردوغان» للداعية الإسلامي «فتح الله جولن».. ومتى؟ وكم من خلايا جولن النائمة وأتباعه المرعوبين نجوا حتى الآن من المطاردة المتواصلة المتلاحقة.. بلا رحمة؟ من سوء حظ الداعية محمد فتح الله جولن، أن الذي تسلط عليه هذه المرة لم يكن من العلمانيين أو الليبراليين أو اليساريين أو القوميين. فالذي يطارده من نفس التيار الإسلامي، بل هو رمز بارز من رموز نجاحهم.. ولهذا لن يرحمه، حتى يورده موارد التهلكة! الرئيس «رجب طيب أردوغان»، لم يكن مجرد تلميذ أو مريد للقطب الصوفي، والواعظ «جولن»، بل كان معه في نفس المدرسة السياسية الدينية التي أمسكت بتلابيب تركيا العلمانية الكمالية منذ عام 1960، واشتدت قبضتها عام 2002، وتريد اليوم منذ انقلاب 15 يوليو 2016 الفاشل أن تخنق هذه العلمانية، وهذه التعددية التي جلبت الازدهار للبلاد، ليحل محلها «البديل الإسلامي» المتصور، الذي قد يدمر التجربة الديمقراطية التركية، كما أصاب هذا البديل ثورة إيران عام 1979 بالدمار. لا أحد «يهشم رؤوس» قادة الإسلام السياسي وكوادره كالإسلاميين أنفسهم. ولو استمرت هيمنة «الإخوان» في مصر لأبادوا السلفيين وأفنوا التفجيريين والتكفيريين في سيناء والصعيد، وسلطوا «الأيدي الاستخباراتية المتوضئة» على كل ركن من أركان الحياة في مصر، وعلى كل من ينافسهم في حمل راية الإسلام السياسي هناك. فكم وقف مجتهدو الشيعة وعلماؤهم وفقهاؤهم ضد ملوك إيران، وأصدروا كل أشكال الفتاوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية في «قم» «والنجف» و«سامراء»، ونكّدوا عيشة الشاه في إيران والنخبة السياسية في العراق، وربما كذلك في دول أخرى وأقليات شيعية أخرى. واليوم، ومنذ أن قامت «ولاية الفقيه» بعد ثورة 1979 انتهت حرية الإفتاء، وساد رأي الولي الفقيه، وباتت حرية الاجتهاد وحرية البحث الديني.. في خبر كان! لقد أذلّت السلطات التركية في مختلف المناطق والمدن الكبرى أنصار الداعية جولن بعد اتهامه وجماعته بتدبير انقلاب 15 يوليو 2016. وكان الداعية جولن يستعين في جوانب من تحركه بالكتمان. ولكنه على الأرجح لم يكتم كل الأسرار عن مريده ورفيق دربه أردوغان، وربما لم يسلم من «عيونه» وأجهزته، وما إن رأى الرئيس في الداعية خطراً على طموحاته الزعامية حتى وجّه إلى جماعة الداعية الواعظ.. الضربة القاضية. ولو عدنا إلى مؤلفات «جولن» وأشرطته، لوجدناها تزخر بالاقتباسات والشواهد من التراث العربي والإسلامي، ولا أدري إن كان الداعية القطب «جولن»، المحتمي اليوم بمعسكر الكفار في بنسلفانيا الأميركية، هرباً من مطالبات أردوغان، قد سمع ببيت الشعر العربي المعروف، وقد عدلناه قليلاً: احذر عدوك مرة................. واحذر «حليفك» ألف مرة فلربما انقلب الحليف............ فكان أدرى بالمضرة لا يبدو الرئيس «أردوغان» مكتفياً باجتثاث «الجولانية»، بعد اصطدام قضاة وأتباع الداعية بطموحات الرئيس وابنه رجل الأعمال ومصالح أخرى، كما يقال. بل الرئيس ماضٍ في المطالبة باعتقال جولن ووضع نهاية لحياته.. أو لوجوده السياسي والدعوي على الأقل. ولا شك أن جولن لا يزال بين مصدق ومكذب لما يرى من قلة وفاء وعداء، بل وإصرار الرئيس على إعادة العمل بحكم الإعدام، حتى لو كلفه ذلك ضياع فرصة الانضمام للاتحاد الأوروبي، وتراجع مكانته في العالم العربي والإسلامي وأوساط الإسلام السياسي. ولا يعرف أحد كل أسباب غضب الرئيس أردوغان وسخطه، ولم يجب أحد عن الأسئلة المثارة حول ضخامة أعداد المعتقلين وتلطيخ سمعتهم وإهانتهم علناً وإعلامياً، ومنهم قادة في مجالات الجيش والقضاء والجامعات وغيرها، ثم القيام بالإفراج عن الكثيرين بينما تتم مطاردة الآخرين! ولا يبدو أن السلطات قد بينت في خطوات قانونية واضحة و«أوروبية» أسباب الاعتقال، ولا قام المحامون بالحديث إلى أجهزة الإعلام، ولم يقل لنا قاضٍ واحد لِمَ تمَّ الإفراج عن الآلاف منهم.. كما وعد الرئيس! اشتهر الداعية جولن بكتبه وأشرطته ومحاضراته ومواعظه، وبرقّة قلبه وصدق إيمانه وحسرته الدائمة على العباد. وكم خنقته العَبرة وأخذه البكاء والنشيج حتى لُقب بالواعظ البكّاء الذي يَبكي فيُبكي الحضور معه. ولكنه اليوم قد وقع بيد قائد عثماني فاتح طموح، عاش طويلاً وسط الفقر والمخاطر والمخافر حتى قسا قلبه، ولم تعد دراما الوعظ وبكائيات جولن تؤثر فيه كثيراً. وإذا كانت الاتهامات الموجهة إلى الداعية صحيحة وفعلية، فإن صدمة أردوغان لا حد لها. فقد وضع الرئيس ثقته في الداعية وربما كان في بعض الأحيان كالميت في يد المغسل والمكفن، فإذا بجولن، كما يتهم أردوغان شيخه، يعدّ العدة للتخلص منه والانقلاب على حزب «العدالة والتنمية» برمته. فكانت نكبة البرامكة وإجراءات الاقتلاع والاجتثاث وحرق الأخضر مع اليابس.. إلى جانب المطالبة بتسليم جولن من السلطات الأميركية. ولا يسأل الداعية الآن بعد أن ضاقت عليه الدوائر رد القضاء.. بل اللطف فيه!