هناك إجراءات تدعو إلى يأس المستثمرين الدوليين الذين تمادوا في الاعتماد على الروبل الروسي وغيره من الأصول الروسية. حتى وإن كانت المخاوف من حدوث هجوم روسي كبير في أوكرانيا أثبتت على الأرجح أنها لا أساس لها من الصحة، فإنه لا يوجد في الاقتصاد الروسي ما يمكنه أن يدعم حدوث طفرة في الأصول، وهي فقط مسألة وقت قبل أن يضطر البنك المركزي الروسي إلى تقليل سعر صرف العملة. ومنذ مطلع العام الحالي، حقق «الروبل» ثالث أعلى عائدات لأي عملة ليستحوذ على التجار – هؤلاء الذين يقترضون بالدولار الأميركي لشراء ديون مقومة بالعملات الأخرى. ومن الطبيعي بالنسبة إلى الروبل أن يتبع من كثب أسعار النفط، نظراً إلى أن روسيا هي ثالث أكبر مصدر للطاقة في العالم، لكن «الروبل» يمر بفترات طويلة من القوة فيما تتراجع أسعار النفط. وقد بدأ آخر هذه الفترات في أوائل شهر يوليو. والمتاجرة (استراتيجية مالية عالمية تقضي باقتراض أموال بعملة بلد ثمّ تحويلها واستثمارها بعملة بلد آخر ذات معدّل فائدة أعلى) هي السبب الرئيس للأداء الجيد للعملة. وقد كان المراقبون يبحثون عن دلائل على أن الاقتصاد الروسي، العالق في الركود للعام الثاني على التوالي، ربما يحقق انتعاشاً، لكن ما يجدونه يكاد يمكنه تبرير قوة الروبل. وفي الربع الثاني من هذا العام، تراجع الناتج الاقتصادي الروسي بنسبة 0.6% مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، أي أقل من نسبة الـ0.8% التي توقعها المحللون. وهناك زيادة طفيفة على أساس سنوي في استهلاك الكهرباء وفي حجم النقل. ومع ذلك، فإن هذه التقلبات تكاد تعد مؤشراً على الانتعاش. كما انخفض الإنتاج الصناعي قليلاً في الربع الثاني من العام. وظل الإنفاق الاستثماري ومعدلات تجارة التجزئة أقل بكثير من معدلات العام الماضي المنخفضة بالفعل. والحكومة ليس لديها أي شيء لدفع النمو الاقتصادي: فهي لم تحفز الطلب، أو تزيد الإنفاق أو تخفف اللوائح أو تعزز إجراءات حماية المستثمرين. أما البنك المركزي، في المقابل، فقد كان بطيئاً في خفض معدلات الإقراض. وفي نهاية الشهر الماضي، أبقى على سعر الفائدة الرئيس عند 10.5%، ما مكن المتاجرة أن تظل مربحة للغاية لكنه جعل من الصعب بالنسبة إلى رجال الأعمال تمويل الاستثمار من خلال الاقتراض. وقد تغير المعدل مرة واحدة فقط هذا العام، في شهر يونيو، عندما تم خفضه إلى ما دون 11%. ويستهدف البنك المركزي تقليل نسبة التضخم، حيث يتوقع أن يخفّضه إلى أقل من 5% سنوياً من الآن – وهو هدف نبيل، ولكنه لا يتوافق بالضرورة مع احتياجات الحكومة. وتعتمد موازنة 2016 على سعر نفط يبلغ 3.165 روبل للبرميل، 48.75 دولار بسعر الصرف الحالي. لكن النفط الروسي تم بيعه فقط بمتوسط سعر 37.80 دولار للبرميل في النصف الأول من العام، لذا فإن هناك حاجة إلى تغطية عجز أكبر من المتوقع، بالإضافة إلى مخاوف بشأن كساد الصادرات غير النفطية بسبب ارتفاع قيمة الروبل. وفي أواخر الشهر الماضي، اشتكى مساعد بوتين للشؤون الاقتصادية «أندريه بيلوزوف»، الذي يعتقد بقوة في التحفيز النقدي، بشأن قوة الروبل، وردد الرئيس فلاديمير بوتين مخاوفه، ولكن ليس بالقوة الكافية لكي يشعر البنك المركزي بالحاجة إلى الاستجابة. وفي الواقع، لقد أصدر بياناً قال فيه إنه ليس لديه خطط لتقليل سعر صرف الروبل. ومن الممكن أن يساعد البنك المركزي الحكومة من خلال شراء الدولارات في السوق المفتوح لتعزيز الاحتياطات الدولية. وهو يقوم بشيء من هذا القبيل، فقد زادت الاحتياطات بشكل مطرد هذا العام. وبالرغم من هذا، فإن ذلك لم يكن كافياً لمواجهة ضغط المتاجرة. وهناك الكثير من المحللين المصرفيين في روسيا الذين سيقولون لك إن قيمة الروبل معقولة. لقد قل اعتماد روسيا على الصادرات النفطية بشكل طفيف فيما انخفضت الأسعار. وهذا العام، أصبحت روسيا أكبر مصدر للقمح في العالم. واستفاد قطاعها الزراعي من الحظر المفروض على الأغذية الغربية ومن الضعف النسبي لقيمة الروبل في العام الماضي. وأصبح الاقتصاد بالتأكيد أكثر استقراراً مما كان عليه خلال اضطراب أسعار النفط ومباشرة بعد ضم شبه جزيرة القرم. وبات المستثمرون معتادين على الوضع الحالي في روسيا: فهي ليست دولة منبوذة تماماً وليست كذلك قوة اقتصادية، مجرد دولة جيدة بما يكفي للتجارة في حين أن المعدلات سلبية في ملاذات أكثر أمناً، وربما كان هذا هو الخطأ. فقد أصبح الاقتصاد الروسي في طي النسيان. وبوتين ليس على استعداد للسماح بمزيد من الحرية الاقتصادية أو إبطال التأميم لكثير من القطاعات الإنتاجية القائمة على السلع خلال فترة حكمه. كما أن خصخصة بعض حصص شركات النفط، التي تهدف إلى تغطية عجز هذا العام، لا تتم بسلاسة. ليونيد بيرشديسكي* *كاتب روسي مقيم في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»