السمة الغالبة في إسرائيل أن العدالة تأخذ مجراها ولا أحد يستطيع تعطيلها، فالقضايا تثار، وتبدأ التحقيقات، ويحاكم من وجد مذنباً، ثم ينفذ حكمه. لا كبير عندهم! والقضاء الإسرائيلي لا يفرق بين المواطن العادي وعضو الكنيست والوزير، أو حتى رئيس الحكومة أو رئيس الجمهورية. فكلهم سواسية حينما توجه إلى أحدهم تهمة في قضايا فساد مالية أو أخلاقية. والوقائع تشهد لهم بذلك. بل إنه حين تتعالى الأصوات بتخفيف حكم صدر ضد هذا المسؤول أو ذاك، لما قدمه من خدمات «جليلة» لدولة إسرائيل، يأتي الرفض قاطعاً لأي استثناء من القانون. ولن يكون آخر الأمثلة تصاعد الاحتجاجات في الأوساط النسائية والسياسية على نية «مصلحة السجون» إطلاق سراح رئيس إسرائيل السابق «موشيه كتساف» قبيل انتهاء مدة محكوميته (سبع سنوات سجناً نافذةً) بعد إدانته بتهم الاغتصاب والتحرش. ووفق مؤشر مدركات الفساد لعام 2015 الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية، تُصنف إسرائيل ضمن الثلث الأخير من أعضاء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، حيث تحتل المركز 24 ضمن 43 دولة. ففي السنوات القليلة الماضية، ارتفعت وتيرة الكشف عن قضايا فساد كان مسؤولون سياسيون متورطين فيها، حيث أدت إلى انهيار حكومات، واستقالة وزراء ومسؤولين. ومعروف أنه قد حكم على رئيس الوزراء الأسبق «إيهود أولمرت» بالسجن ثمانية أشهر نافذةً، ومثلها مع وقف التنفيذ، بعد إدانته بالفساد وتلقي رشى. أما وزير الطاقة والبنية التحتية «جونين سيجف» فقد أدين بتهمة محاولة تهريب مخدرات وتزوير جواز سفر وحكم عليه بالحبس مدة 5 سنوات، والبقاء عامين تحت المراقبة. وكذلك وزير العمل والشؤون الاجتماعية والصحة «شلومو بنيزري» الذي أدين بجرائم فساد وتلقي رشوة مقابل تسهيل تعيين عمال أجانب وغيرهم. واليوم، يخضع الرئيس السابق لطاقم موظفي ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية «آري هارو» للتحقيق بشبهة الاحتيال، ويبقى قيد الإقامة الجبرية، وتربط الصحافة الإسرائيلية بين هذا التحقيق وما أسمته الشرطة «الفحص» الذي تجريه بإيعاز من المستشار القانوني للحكومة «أفيحاي مندلبليت» حول شبهات منسوبة إلى رئيس الحكومة «بنيامين نتنياهو». وكان «مندلبليت» أعلن أنه أوعز بإجراء فحص ما إذا كان هناك مجال لفتح تحقيق حول شبهات جنائية تتعلق بغسيل أموال قام بارتكابها نتنياهو) كما تم الكشف عن «فحوصات» تجريها الشرطة لشبهات تتعلق باثنين من الأعضاء البارزين في الحلبة السياسية، وزير الداخلية وعضو الكنيست «آريه درعي»، رئيس «حزب شاس» المشارك في الائتلاف الحكومي، الذي سبق وأمضى 3 سنوات في السجن بعد إدانته قبل 17 عاماً بقبوله رشوة. كما تحقق الشرطة في قضية تتعلق بشبهات حول خرق عضو الكنيست «يتسحاق هرتسوغ»، رئيس المعارضة حالياً (من «القائمة الصهيونية») لقانون تمويل الأحزاب. التاريخ مليء بأسماء دول أبادها الفساد المتفشي داخل السلطة الحاكمة، ربما تكون أشهرها الإمبراطوريتان الرومانية والبيزنطية. وفي هذا السياق، تتبع أجهزة الأمن الإسرائيلية منابع الفساد في السلطة عبر التركيز على أعلى رموز السلطة في الكيان الصهيوني لكي تقبض عليهم بالجرم المشهود وتجعلهم عبرة للآخرين. لذا، نرى مثلاً «إيلي سولام» المدير التنفيذي لـ«الحركة من أجل جودة الحكم في إسرائيل»، يحذر من التداعيات المُدمِرة للفساد العام، حيث كتب يقول: «بالنسبة للفساد، تتجه إسرائيل نحو الحالة التي يُرثى لها، الحالة الخاصة بدول العالم الثالث. وتعتقد حركتنا أن التهديد الوجودي الحقيقي للدولة الإسرائيلية مُتمثِل في الفساد الذي يحمل خطر تمزيق النسيج الاجتماعي. وتُعتبر الفجوات الأوسع بين مستويات الدخل، وتراجع الأخلاق، الذين نشهدهما في المجتمع الإسرائيلي حالياً، خطراً أكبر من أي تهديدٍ آخر». هذا الأمر ظهر جلياً في استطلاع للرأي أُجرته القناة الإسرائيلية الثانية بعد ظهور مؤشر مدركات الفساد لعام 2015، حيث كشف الاستطلاع عن أن «72% من المُستطلَعة آراؤهم يعتقدون أن المسؤولين الذين انتخبوهم فاسدين». صحيح أن الفساد هو أكبر المشكلات العالمية التي تجمع المؤسسات المحلية والدولية على أنه العقبة الرئيسة أمام الإصلاح والتنمية، لكن المرء يحزنه حال العالم العربي، حيث لجان مكافحة الفساد التي يتم اختيار مسؤولين كبار لتولي المسؤولية فيها لا تحرك ساكناً، مع إيماننا بأن القضاء على الفساد ليس قراراً يتخذ، ولكنه منظومة إصلاحات تعليمية واجتماعية وإدارية ووطنية. ويكفي أن الدول العربية، في مؤشر «الشفافية الدولية» حلت بين الدول الأكثر فساداً والأقل أمناً، فجاءت الصومال في المركز الأخير من حيث الشفافية، أي أنها أكثر الدول فساداً، واحتلت المركز 167، متساوية في ذلك مع كوريا الشمالية، بينما احتلت السودان المركز 165، وليبيا والعراق احتلتا المركز 161، فيما احتلت اليمن وسوريا المركز 154 بين الدول الأكثر فساداً. طبعا، ليس القصد من وراء الحديث عن إيجابية التصدي للفساد في الدولة الصهيونية الترويج لإيجابيات «دولة إسرائيل»، المحتلة التوسعية العدوانية، والفاشية، ولكنها على قاعدة «اعرف عدوك» التي أؤمن بها من جهة، مثلما هي مناسبة للتحسر على أوضاع دولنا العربية من جهة ثانية!