كل ذلك النحيب الكئيب من «الجمهوريين» الذين يتباكون لأنه لا يمكنهم الوقوف خلف مرشحهم الخاطئ، هو محض جنون. أنين الحزب «الجمهوري» وبحثه عن بدائل اللحظة الأخيرة واستراتيجيات الخروج، لعبة قديمة. ولدى «الجمهوريين» بالفعل واحدة من أثرياء أميركا، ستكون ملائمة تماماً في المكتب البيضاوي، ويمكنهم الوثوق في مساعدتها لـ«وول ستريت»، ودعمها لـ«غرفة التجارة الأميركية»، واحتضانها «صناديق التحوط»، وتأمينها للصفقات التجارية التي تعشقها الشركات الأميركية، وسعيها للحصول على إرشادات «هنري كسينجر»، وشن عملية عسكرية على سوريا وأماكن أخرى لا يعلمها إلا الله. مرشحة «الجمهوريين» هي هيلاري كلينتون! فلا يمكنهم مساندة «دونالد ترامب»، بسبب تذبذبه الشديد وعدم اتزانه. ويمكن للحزب الاعتماد على هيلاري «المتدربة الشابة في حملة المرشح اليميني المتطرف باري جولدووتر» والمتغنية ببنك «جولدمان ساكس»، في ممارسة الأمور السياسية المعتادة، دون الاقتراب من الأمور الجنونية غير المألوفة. أما إثارة ترامب للقضايا فيمكن أن تجرنا إلى حرب، وتهوي بنا في ركود اقتصادي، وتفتت واشنطن إلى ألف جزء. وستحافظ هيلاري على سلامة «المؤسسة»، لاسيما أنها رمز «للمؤسسة» أكثر من ترامب، فزوجها كان رئيساً، وألغى قانون «جلاس ستيجال» الخاص بالعمل البنكي، ووقع قانون «الدفاع عن الزواج». ويبدو أن هيلاري التي تعول على أصولهاالميثودية، وتستفيد من أصولها الإنجليزية، أكثر «جمهورية» من «ملك غوثام»، الذي اعتاد أن يكون «ديمقراطياً» و«متبرعاً للمرشحين الديمقراطيين» قبل أن يقفز إلى الطريق المعاكس. كما تبدو هيلاري من «كائنات وول ستريت الموثوقة»، خصوصاً أن سجلاتها الضريبية أظهرت أن «آل كلينتون» حققوا 10.6 مليون دولار العام الماضي، ومثل الأسر فائقة الثراء، تنضوي الأسرة تحت مظلة شركة «كلينتون إكزيكتيف سيرفيسيز». وتشير التقديرات إلى أن هيلاري حصلت على تبرعات من صناديق التحوط بنحو 48.5 مليون دولار، مقارنة بـ19 مليوناً لترامب. وعلى النقيض من قطب العقارات، لم تزدر هيلاري قادة «الجمهوريين»، ومعلوم أن زميليها «جون ماكين» و«ليندساي جراهام» يؤيدانها سراً. وهناك مجموعة من «الجمهوريين» البارزين الذين يؤيدونها ويتبرعون لها، ويظهرون في إعلاناتها ويتحدثون عن مناقبها. وأفادت التقارير بأن «روبرت كاجان»، المساعد السابق في وزارة الخارجية الأميركية في عهد «ريجان»، ومستشار حملتي «جون ماكين» و«ميت رومني» وأحد داعمي حرب العراق، جمع التبرعات لهيلاري خلال الصيف الجاري. ومن أوجه كثيرة، تمثل هيلاري كمرشحة أماناً أكبر لـ«المحافظين»، إذ يحب ترامب أن يصف نفسه بأنه «مرن»، فماذا لو عاد إلى مواقفه الليبرالية النيويوركية بشأن السيطرة على الأسلحة وحقوق الإجهاض؟ وترامب يميل إلى الإثارة والتحريض في حديثه، ويلقي بتصريحات خطيرة ومدمرة للذات بشأن «التعديل الثاني للدستور الأميركي» الذي يكفل الحقوق والحريات، ويتهم الرئيس أوباما وهيلاري بأنهما «مؤسسا تنظيم داعش الإرهابي». وما يزال يسير على غير هدى وراء غروره، ويخفق في فهم معطيات أية حملة انتخابية، وأخبر مذيع «فوكس نيوز» قائلاً: «لا أعلم ما يتعين علينا فعله لنحصل على الأصوات، أعتقد أن الناس الذين يريدون التصويت حقيقة سيخرجون ويصوتون لترامب». ومن جانبها، تجيد هيلاري اللغة السياسية وطقوس واشنطن. ومثلما قال المحلل الاستراتيجي «الجمهوري» «ستيف شميدت» على قناة «إم أس إن بي سي»، فإن «مرشح الانتخابات الرئاسية الأميركية، الذي يشبه جورج بوش وديك تشيني من منظور السياسة الخارجية، هو في الحقيقة هيلاري كلينتون وليس المرشح الجمهوري». وهكذا يفضل «الجمهوريون» مرشحهم «الجنوني»، الذي لا يشبه ترامب، وإنما يشبه «تشيني». يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»