تتوالى الأخبار ساعةً بعد ساعة تزفّ إلينا اقتراب الجيش اليمني الشرعي والمقاومة الشعبية، مدعومَين من قوات التحالف العربي، من بسط السيطرة على صنعاء عاصمة اليمن السعيد والتي سيشكل استردادها أقوى ضربة لمخططات جماعة «الحوثيين» وحلفائهم في إيران للاستيلاء على اليمن. والملاحظ أن قادة «الحوثي» اعتقدوا أنهم يقفون موقف القوة عندما شاركوا في المحادثات مع الحكومة الشرعية في الكويت فقاموا بالإعلان عن إنشاء ما يسمى «المجلس الرئاسي» أو «المجلس الأعلى لإدارة شؤون اليمن»، الذي يضم جماعة «الحوثيين» وحلفاءهم من أتباع الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح. وبلغت أحلام الحوثي وأتباعه ذروتها بالإعلان أن رئاسة المجلس ستكون دورية بين «المؤتمر الشعبي» وحلفائه، وأن ذلك سيسري أيضاً على منصب نائب رئيس المجلس. وعلى الرغم من أن العديد من المراقبين ودول العالم قد اعتبروا تلك الخطوة بمثابة رصاصة الرحمة، التي أُطلقت على مفاوضات الكويت،فإن واقع الأمر يؤكد أن رصاصة الرحمة قد تم إطلاقها بالفعل، ولكن على جماعة «الحوثي» وأتباعهم منذ 21 سبتمبر 2014 وهو تاريخ بدء الانقلاب «الحوثي» على الشرعية في اليمن بدعم من إيران. وقد شكل هذا التاريخ بالفعل بداية العد التنازلي لكتابة شهادة الوفاة لجماعة «الحوثي» ومَن وراءهم. وشخصياً لم أُفاجأ عند سماع أخبار نزول أتباع «الحوثي» إلى شوارع صنعاء مستخدمين مكبرات الصوت لطلب النجدة من القبائل اليمنية عند اقتراب الجيش اليمني من تخوم صنعاء، وذلك لأن فشل «الحوثيين» لا يتمثل فقط في إقناع الشعب اليمني بمخططاتهم، ولكن في فشلهم الذريع في قراءة تاريخ مدينة صنعاء والتي يسري في شوارعها ومبانيها وأسواقها الدم العربي الإسلامي. صنعاء التي صمدت قروناً طويلة في وجه الكوارث والحروب والحصار، كانت ولا تزال معلماً حياً وشاهداً على الحضارة العربية الإسلامية. صنعاء مدينة البساتين والمقاشم، والسماسر والمعاصر، والسبيل والحمامات، هي عاصمة يمن سد مأرب، والتي تُعتبر من أقدم مُدن العالم وأكثرها جمالاً، وهي المدينة التي لها تاريخ ضارب في القدم، لطالما يرجع إلى حقبة مؤسسها «سام ابن نبي الله نوح عليه السلام». فصنعاء هي مدينة الأبواب التاريخية: «باب اليمن» الذي عُرف أيضاً بأسماء أخرى لم تكتسب شهرة التسمية الأصلية مثل «باب عدن»، و«باب غمدان»، و«باب الحرية»، و«باب شعوب»، و«باب ستران» الذي عُرف باسم آخر هو «باب القصر» و«باب السبحة»، وسمى أيضاً «باب السبح». وهناك أبواب أخرى غير رئيسية هي: باب خزيمة، وباب الشقاديف ويعُرف أيضاً باسم (باب الحديد)، وباب البلقة وباب الروم وباب القاع. وصنعاء المعروفة تاريخياً بأنها مأهولة باستمرار منذ القرن الخامس قبل الميلاد هي عاصمة مملكة سبأ التي جاء ذكرها في نصوص المسند بصيغة (?صنعو)? وهي ?مشتقة ?من «?مصنعة» ?وتعني «?حصن» ?في العربية? ?الجنوبية? ?القديمة. صنعاء التي استقبلت بفرح وترحاب دعوة رسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم) سنة 627 ميلادية فتحولت في القرنين ?السابع والثامن إلى ?مركز م?هم ?لنشر الإسلام ?وعلى ?مر ?السنين، ?اصطبغت ?بملامح ?وثقافات ?العديد ?من ?الدول ?الإسلامية ?ومن ?أبرزها ?دولة ?بني ?حاتم ?والدولة ?الأيوبية ?ثم ?الدولة ?العثمانية، ?فأصبحت ?تضم ?المباني ?المهمة ?من ?الوجهة ?التاريخية ?ذات ?الطابع ?الجمالي ?والعمراني ?الفريد، ?ومن ?أبرزها «?حي ?النهرين» ?في ?غربيّ ?المدينة، ?والذي ?أُقيمَ ?على ?طرفه ?الجنوبي ?مقر ?الحاكم، ?عُرف ?وما ?زال ?بـ«? بستان? ?السلطان» وكان ?موضعه ?قبل ?ذلك ?مقابر ?لعظماء همدان. وتستمر صنعاء في الصمود في وجه من يريد اقتلاعها من جذورها العربية الأصيلة، وآخرهم جماعة «الحوثي» وإيران، وأرجو أن تحذو بغداد ودمشق أيضاً حذو صنعاء، وتقف جميعاً في وجه المخطط الفارسي الرامي إلى إسقاط العواصم العربية في بحر الفتنة الطائفية والفوضى. *باحث إماراتي