عندما تحقق الصين إنجازاً، أو تحطم رقماً قياسياً جديداً، أو تربح ميدالية أولمبية، كما في أولمبياد البرازيل، وتنافس الكبار في مجالات عدة، وتتفوق على أباطرة المال والاقتصاد، فإن أهم تساؤل يطرح نفسه في هذه الحالة، هو: كيف وصلت الصين إلى هذه المنجزات، وهي بلد الحزب الواحد، ويحكمها حزب واحد؟ على كل الأصعدة ترى الصين جاهزه وبكثافة.. في السياسة والاقتصاد والسلاح والتعليم والمال. السر الحقيقي والوحيد في كل هذه المنجزات التي تتشابه فيها مع كوريا الجنوبية، هو أن الفساد يكاد يكون معدوماً، فمن الصعب أن يفسد موظف حكومي في الصين، ذلك لأن العقاب الذي يصل إلى الإعدام جعل الفساد غير موجود، وحفّز الشرفاء على العمل بجدية وأمانة أكثر. هذا السر العظيم الذي يعكس نمطاً إدارياً متفوقاً، تجده أيضاً في غالبية الدول الأوروبية، فالقوانين هناك تحاصر المفسدين والفاسدين، وتجعل تحركهم صعباً وغير متاح بسهولة. وبسبب معاناتها من الفساد، تأثرت إيطاليا كثيراً بالأزمات المالية التي تعصف بالعالم.. فالفساد في هذا البلد الأوروبي العريق مستشرٍ لدرجة أنه خلال «إكسبو ميلانو» الأخير كان الإيطاليون يشكون منه، ويدعمون حكومتهم كي تتصدى للفساد والرشوة، وأن تضع كل من يرتكب هذا النوع من الجرائم في السجن، وفي الوقت نفسه تطارد وتلاحق قانونياً من يتورط في الفساد. من الواضح أن التقدم مرهون بعدم وجود الفساد وبتطبيق القوانين التي تشن ضد ممارسته، ولعل الواقع الذي فرضته الصين اليوم هو واقع مضيء بالإنجازات، حين فتحت أبواب العمل الحر وشجعت عليه. وحين طورت التعليم، وأنفقت عليه ميزانيات هائلة، وحين كان النظام جزءاً من ثقافة شاملة اجتماعياً وفكرياً، ناهيك بموروثهم الثقافي، الذي يعتد بتفاصيل وثيقة في الحياة جعلت من حياتهم أكثر ثراءً وأكثر دقةً عززت من قيم النجاح وفرصه. وأزعم أن أغلب الدول العربية في حاجة اليوم إلى مثل هذه القوانين، خصوصاً عندما تنشد التحول إلى قوة اقتصادية فاعلة، فالفساد الذي صار لغة معتادة، وأصبح في بعض الدول كأنه أمر عادي وليس جريمة، أثّر سلبياً وبشكل كبير على كل معطيات العمل والنجاح. فمن أمن العقوبة أساء الأدب، وربما يُعزى نجاح الإمارات إلى نجاحها في مكافحة الفساد، مما جعلها وجهة للمستثمرين ولها الأفضلية من بين دول المنطقة لشفافية القوانين، التي تتيحها للمستثمر، ولذلك كان من الأهمية بمكان المحافظة على هذا المكتسب وحمايته، وإضافة قوانين جديدة تسهم في الحد من فرص الفساد للموظفين الحكوميين، فالنموذج الصيني ليس مستحيلاً، إنه سهل فقط إذا تم تحديد الهدف ورسم الوسيلة وتم تشجيع الجميع على العمل الخلاق. أماني محمد* *كاتبة إماراتية