في مدارس المستقبل، التعليم لا يُحسب بالوقت الذي يقضيه التلميذ على المقعد في فصله مفصولاً عن عالمه الحقيقي، محبوساً بين جدران المدرسة، بل بوقت التعلم الحقيقي، والذي قد يكون خارج الصف في الغالب، فما هو التعليم الحقيقي، ولماذا لا يحسب بعدد الأيام أو الساعات؟. وأنا أكتب هذا المقال تذكرت واقعاً عاشه الكثير من الأسر في المدارس الخاصة بإحدى الإمارات قبل نهاية العام الماضي، فبعد أن انتهى التلاميذ من الاختبارات النهائية، وهذا يعني بالضرورة أنهم قد ختموا المنهاج المقرر عليهم، استدركت إدارات المدارس أنها أخلت بشرط عدد الأيام المطلوبة من التلاميذ، فطلبت منهم الانتظام في المدرسة بعد الاختبارات لأكثر من أسبوعين، وكان سؤال التلاميذ والأهل، لماذا أو ماذا سنفعل أو نتعلم بعد أن انتهينا من منهاج هذا العام، وأدينا الاختبارات المقررة، ونجحنا فيها، لم تكن هناك إجابة مقنعة من إدارات المدارس، فلجأت إلى مقولة هذا ما طلبته منا الإدارات المشرفة على التعليم في الإمارة، ولأنها إجابة غير مقنعة كان هناك غياب جماعي أشبه بناقوس الخطر، يقول للمدارس، نحن نبحث عن التعليم الحقيقي، وهو لا يرتبط بعدد الأيام وساعات الدراسة. من يتابع عدد الأيام التي ينتظم فيها التلاميذ للدراسة، أو عدد الساعات المخصصة للتعليم في كل دولة يجد تبايناً واضحاً، مرده أن التعليم ليس منفصلاً عن الواقع الذي تعيشه الأسر أو حالة الطقس التي تمر بها أقاليم العالم فبينما يقضي المتعلم قرابة 243 يوماً في مدرسته في اليابان، نجد أن الرقم ينخفض إلى 180 يوماً في الولايات المتحدة، وإلى 170 يوماً في السويد، فهل هذه الأرقام تشير إلى أن التعليم في السويد أضعف من التعليم الياباني؟ الإجابة دون تردد لا، فالتعليم في الدول الإسكندنافية يُعد من أفضل نماذج التعليم في العالم تحقيقاً للأهداف المخطط لها، الخلاصة أن التعليم الحقيقي لا يقاس بعدد الأيام التي يقضيها التلميذ في المدرسة. في الإمارات نحن نقع بين الرقمين إحصائياً، لكن العام الدراسي تتخلله الكثير من العُطل المخطط لها، مثل الإجازات المدرسية الرسمية أو العُطل التي تفرض حالها عندما يقرر التلاميذ بوحي من المعلمين أحياناً الانقطاع عن المدرسة في صورة غياب جماعي مثل ما يجري قبل أيام الامتحانات على سبيل المثال، ولو أضفنا لذلك عدد الأيام التي يقضيها التلاميذ في المدارس دون هدف يذكر لتأكد لدينا أن التعليم الحقيقي لا يحسب فقط بعدد أيام المدرسة لكن بجودة استثمار الوقت المتاح. مناخ الإمارات يفرض علينا واقعاً لا بد من أخذه بعين الاعتبار، ورغم أن الكثير من المدارس أضحت مهيئة لأنواع الطقس كافة، الحالّة في مدارس أخرى لا تخفى علينا، فلماذا لا يتم مراعاة ذلك عند التخطيط للعام المدرسي، بتقليل أو حذف الكثير من الإجازات المدرسية التي تصادف مناخاً رائعاً في دولة الإمارات؟ إن نظام الفصول الدراسية الثلاثة الذي تم تجريبه أثبت تشتتاً في منظومة التعليم، وفاقداً للزمن المناسب للتمدرس، هذا من جانب التقويم المدرسي. الجانب الأهم يتلخص في ما يجري أثناء العام الدراسي أو الزمن المخصص للدراسة، العالم يتجه اليوم نحو ربط التعليم بالمخرجات المتوقعة منه، وبمقدار تمكن المدرسة من تحقيق هذه الأهداف تكون متميزة في الأداء، ولو راجعنا مناهج التعليم المقررة وربطناها بالأهداف المتوقعة لتأكد لدينا أننا بحاجة إلى منظومة مناهج جديدة تتماشى مع الأهداف المتوقعة من التعليم، ومع تغير الأهداف المتوقعة سنجد أن الركن الأساس في التعليم، ألا وهو المعلم، أضحى في الغالب بحاجة إلى إعادة تأهيل تمكنه من تقديم التعليم الحقيقي.