إعلان وفاة أحمد زويل سابق للأوان، أقول ذلك كشاهد على إعلان وفاته مرتين، الأولى لقبوله جائزة «معهد وولف» عام 1993، والثانية لحصيلة «البعثة العلمية الدبلوماسية» التي أرسلها أوباما عام 2010 إلى العالم العربي والإسلامي وشارك فيها زويل. وشهادتي مدونة في مذكراتي «حكايات سندباد علمي» المنشورة عام 2000 في مجلة «العربي»، وذكرتُ في فصل منها، عنوانه «أحمد زويل.. سر الجزيء الذي يكوِّن كل شيء»، كيف اتصلتُ بزويل أستفهم صحة الخبر عن قبوله جائزة «معهد وولف»، فسألني عما إذا كان عليه قبولها، فقلتُ له فوراً ومن دون تفكير: «اقبلها إذا كانت الثمن للحصول على نوبل». وخشيتُ لحظتها أنني أخطأتُ، فاتصلتُ بعالم مصري من أصدقائه، وهو مصطفى السيد، عضو «أكاديمية العلوم الأميركية»، فأخبرني أنه بدوره قال عندما سأله زويل رأيه: «خد فلوسهم يا أحمد، خد فلوسهم»! وفي مقالتي «زويل بين العلم والدبلوماسية»، المنشورة هنا عام 2010، ذكرتُ أن «البعثة الدبلوماسية في العلوم» أدخلت الدبلوماسية في العلوم بدل أن تدخل العلومَ في الدبلوماسية. وما جدوى الدبلوماسية في التعامل مع أجيال جديدة من عرب ومسلمين يعرفون أن نسبة حاملي شهادات الدكتوراه من العلماء والمهندسين العاملين في الولايات المتحدة من المولودين خارجها ارتفعت من 24? عام 1980 إلى 37? عام 2000. وتبلغ بينهم نسبة حاملي شهادات الدكتوراه في الفيزياء 45? والمهندسين أكثر من 50?. وربع المهندسين في الهيئات التدريسية للجامعات الأميركية مولودون في الخارج، وكثير منهم عرب. وبين عامي 1990 و2004 تجاوزت الثلث نسبة الحاصلين على جوائز نوبل في الولايات المتحدة من المولودين خارجها. ووداع زويل طويل، ذلك لأنه لا ينتهي عند قياس سرعة التفاعل الكيماوي لأول مرة في تاريخ العلم، والذي نال عنه «نوبل» في الكيمياء، بل يبدأ به. ومثل «غاليليو» الذي وجه «التلسكوب» لاستكشاف السماء، استخدم زويل «ليزر الفيمتو» لقياس «كل ما يتحرك في عالم الجزيئات، التي يتكون منها كل شيء في الكون»، حسب شهادة «بينغت نوردن»، رئيس لجنة نوبل للكيمياء، والمذكورة على غلاف كتاب سيرة زويل الذاتية «رحلة عبر الزمن». وزويل ذَهَبَ في رحلته عبر الزمن إلى ما وراء العالم الذي رصده غاليليو حين استكشف عوالم جديدة يمكن اعتبارها «الحلقة المفقودة» بين الفيزياء والبايولوجيا، «فالأمر ينتهي بجميع الأنظمة الجزيئية والبايولوجية إلى امتلاك سرعات الذّرات التي تتحرك داخلها، وتتحدد أكثر السرعات الممكنة باهتزازات جزيئاتها، وتبلغ هذه السرعة نحو ثلاثة كيلومترات في الثانية»، حسب زويل في «مؤتمر البايولوجيا الفيزيائية.. من الذرات إلى الخلايا». ويثير الأسى تعرض زويل بعد وفاته لهجوم شارك فيه أكاديميون عرب أخذوا عليه ما يعتبرونه الولاء للنظام المصري. ولو أنهم تابعوا مقالاته في صحف عالمية لعلموا أنه الولاء لبلده الذي يصرح به علناً: «غادرتُ مصر عام 1969 للدراسة العليا في جامعة بنسلفانيا، وكنت خلال 37 عاماً عضو الهيئة التدريسية في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، وأنا أحمل الجنسية المزدوجة منذ 31 عاماً، لكن التزامي ببلد مولدي لم يتزعزع قط». والمفارقة أن زويل كمعظم أفراد النخبة العربية المغتربة أكثر ولاءً لوطنه الأصلي من المقيمين فيه، وتبلغ حكمته حدّ الحديث عن خطأ الاعتقاد بأن النظام السوري سينهار مع الزمن تحت الحمل الثقيل لفظائعه. «تجربة ماضي هذه الأنظمة تدل على أن هذا السيناريو لن يتحقق». ويدرك زويل المتزوج من الطبيبة السورية «ديما الفحام»، أم ابنيه نبيل وهاني، أن «سوريا قد تبدو صغيرة الحجم، لكن نزاعات متشابكة كهذه يمكن أن تقود إلى كوارث. ولا حاجة إلى الكثير من الخيال لرؤية سوريا تقود -مثل سراييفو- القرن الـ21 إلى حرب عالمية».