لننس أن اختراق روسيا لنظام الكمبيوتر الخاص باللجنة الوطنية الديمقراطية وإرسال رسائل البريد الإلكتروني الخاص باللجنة إلى موقع «ويكيليكس» كان يهدف إلى تحقيق الاستفادة للمرشح الرئاسي «الجمهوري» دونالد ترامب. ولنحاول أن نتغاضى، مؤقتا على الأقل، عن محتوى تلك الرسائل التي أغضبت أنصار (بيرني ساندرز)، ولننح جانبا ولو للحظة واحدة السياسات الحزبية ونتوقف عن التفكير فيما حدث: وفقا للتقديرات الأولية للحكومة الأميركية وبعض المحللين، فإن وكالات الاستخبارات الروسية اقتحمت نظام الكمبيوتر الخاص بواحد من الحزبين السياسيين الرئيسيين في الولايات المتحدة وأفرجت عما سرقته من خلال موقع ويكيليكس. مثل هذا التصرف يذهب لما هو أبعد من مجرد جمع لمعلومات استخباراتية. لقد كان من الواضح أنه يهدف إلى إلحاق الضرر بالولايات المتحدة وتدمير مصداقيتنا. وربما كان أيضاً يهدف إلى تقويض المرشحة الرئاسية «الديمقراطية» هيلاري كلينتون، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما قيل، ليس من أكبر المعجبين بها، بناء على اتهاماته لها بأنها كانت المسؤولة عن الاحتجاجات التي شهدتها روسيا عام 2011. وقد يكون الاختراق قد تم تدبيره لتعزيز موقف «ترامب». وفي الواقع، ربما يكون مزيجاً من هذين الاحتمالين. ولكن بيت القصيد أن الروس هاجموا، ليس لجنة الحزب «الديمقراطي» ولا كلينتون، بل الولايات المتحدة، ونظامنا السياسي وحملتنا للانتخابات الرئاسية! كي نكون واضحين، فإن اختراق رسائل البريد الإلكتروني للجنة الوطنية الديمقراطية ليس بتحرك يحدث لمرة واحدة. فقد شنت روسيا هجوماً إليكترونياً ضد إستونيا عام 2007، وحاولت أن تعبث بنتائج انتخابات أوكرانيا عام 2014. كما أن متصيدي الإنترنت في الكرملين يلحقون الضرر بالصحفيين والمواقع الإلكترونية. بيد أن الأفعال الروسية تذهب إلى ما وراء مجال التكنولوجيا. وخلال السنوات الثماني الماضية، قامت روسيا بغزو دولتين من الدول المجاورة لها: أوكرانيا بدءاً من عام 2014 وجورجيا عام 2008، وضمت شبه جزيرة القرم بصورة غير شرعية. وتحتفظ روسيا بطريقة غير شرعية أيضاً بوجود للقوات في مناطق الانفصاليين في جنوب أوسيتيا وأبخازيا في جورجيا وترانسيستريا في مولدوفا. وهي تفعل كل ما في وسعها لمنع جيرانها من الاقتراب من أوروبا – من خلال القيام بإفسادهم أو زعزعة الاستقرار بهم أو، إن أمكن، غزوهم. وعلى أي حال، فإن الدول الديمقراطية الناجحة ذات التوجهات الإصلاحية، لا سيما أوكرانيا، قد تمثل نماذج خطرة وبديلة للنظام الذي يشرف عليه بوتين. وجنبا إلى جنب مع إيران، تدخل نظام بوتين عسكرياً في سوريا لدعم نظام بشار الأسد القاتل. وعلى الرغم من جهود وزير الخارجية جون كيري، فإن الولايات المتحدة وروسيا لا تعملان نحو تحقيق مصالح مشتركة في الشرق الأوسط. وبدلاً من ذلك، تقوم روسيا بتفجير مواقع في سوريا كانت الولايات المتحدة قد حثتها على تجنبها. وباعت روسيا أنظمة دفاع صاروخي خطرة لإيران وتعمل على إقامة صداقات جديدة مع أنظمة تشاطرها نفس الرأي في المنطقة. وبعد كل مثال لسلوك الحكومة الروسية، أسأل نفسي: متى سنقول كفى؟ كم عدد الأوكرانيين الذين يجب أن يموتوا - إن العدد يقترب من 10 آلاف - بسبب العدوان الروسي، قبل أن نقول إن هناك ما يبرر فرض مزيد من العقوبات على النظام الروسي وليس تقليلها - التغيير الذي أشار «ترامب» إلى أنه قد يؤيده؟ كم عدد الدول التي يجب أن يغزوها بوتين قبل أن نعامله هو ونظامه باعتبارهما يشكلان تهديداً خطيراً؟ وإلى أي مدى سندعه يتدخل في الانتخابات الخاصة بنا قبل أن نستطيع وقفه؟ ديفيد كرامر* *محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس» .