لم يكن من الميسور على باراك أوباما، القادم الجديد لحقل السياسة الأميركية، ذي القوام النحيف، والاسم الغريب، والسيرة الذاتية الهزيلة، أن يطيح بآلة كلينتون الشرهة. كان على المرشح البالغ من العمر 45 عاماً، أن يحوّل نفسه إلى صائد أحلام، وأن يصبح رمزاً للمثالية، وأن ينجح في إقناع الأميركيين بأنه قادر على أخذهم إلى عالم سياسي مثالي، خالٍ من الأكاذيب، والسجلات المختفية، والاستيلاء على الأموال، ومارك ريتش، ومونيكا لوينسكي، والموتيل 1600، وغير ذلك من فضائح عائلة كلينتون. كان على السيناتور الشاب القادم من شيكاغو أن يرفع واشنطن إلى مستوى أعلى، وأن يثبت أن البيت الأبيض، يمكن أن يكون حصناً متألقاً للنزاهة، والأخلاقيات، والحياة العائلية المثالية. أوباما قدم نفسه كتذكرة للمستقبل، وجعلنا نشعر بالرضا عن أنفسنا، وبالقدرة على أن نكون أحسن، وأن نؤدي بشكل أفضل. قال أوباما في معرض انتقاده لهيلاري آنذاك إن أميركا تستحق ما هو أكثر من المواقف الملتبسة، وتلك المتخَذة بناءً على نتائج استطلاعات الرأي، وتستحق ما هو أفضل من «الحملات الانتخابية المصممة وفقاً لكتب واشنطن المنهجية القديمة»، وتحتاج إلى ما هو أكثر من مجرد مرشحة تجيب عن الأسئلة بأي طريقة ترى أنها ستحظى برضا المستمعين، و«تحاول أن تبدو، أو تصوت مثل الجمهوريين عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي». وتساءل: ماذا عن المبادئ، وماذا عن الهدف الأسمى؟ لم يكن أوباما محاطاً، وهو يعرض قضيته، بمرتزقة، وإنما بمؤمنين حقيقيين بما يقوله، مثل ديفيد اكسلرود. لكن عائلة كلينتون التي استشاطت غضباً، بسبب تخلي مجموعة كبيرة من الديموقراطيين عنها خلال حملة 2008، سخرت من رسالة الأمل والتغيير التي قدمها أوباما، حيث قالت هيلاي: «نحن لسنا بحاجة لإثارة آمال كاذبة لدولتنا»، أما زوجها بيل فتهكم على تلك الرسالة قائلاً: «هذه لَعمري أغرب حكاية جنيّات سمعتها في حياتي!». لكن الناخبين كانوا متشوقين لسماع قصص الجنيات. ففي نظر الكثيرين منهم، كانت العبارة التي تضمنها أحد إعلانات أوباما صادقة تماماً، وهي: «هيلاري كلينتون تقول أي شيء، ولا تغير شيئاً. لقد حان الوقت لطي صفحتها». من الواضح أن أوباما قد طوى صفحة هيلاري آنذاك، كي يعود إليها لاحقاً. فها هو يشتري لنا الآن تذكرة للعودة إلى الماضي، باسطاً السجادة الحمراء أمامها لاستعادة بيت أبيض، تتداخل فيه الخطوط، وتتماهى الحدود، على نحو ما كان قائماً إبان حكم بيل كلينتون. وفي مظهر من مظاهر براجماتيته الباردة، تخطى الرئيس نائبه المخلص جو بايدن، لأنه اعتقد أنه لن يكون مرشحاً قوياً لما عُرف عنه من ميل إلى الثرثرة وكثرة الوقوع في الزّلات. وربما شعر أوباما بأنه مدين لهيلاري، بعد أن قفز من فوقها، كي يصنع تاريخاً لنفسه. وبالإضافة إلى بايدن، ألقى أوباما بواحد آخر من مساعديه المخلصين السابقين، وهو عمدة شيكاغو «رهم إيمانويل»، تحت عجلات القطار. ففي فيلم الفيديو الذي قدم أوباما في مؤتمر الحزب الديموقراطي الانتخابي، ظهر أوباما في صورة البطل الذي كان وراء قانون الرعاية الصحية، رغم معارضة إيمانويل الذي ذهب إلى الرئيس وقال له كما جاء في الفيلم: «عليك أن تسحب مشروع القانون هذا، لأنك لو أصررت على الدفع به في الكونجرس فسوف تخسر عام 2012». وما جاء في فيلم الفيديو هذا أثار استياء إيمانويل الذي كان يستضيف حفلاً ضمن فعاليات المؤتمر في ذلك اليوم، لأن من صميم واجبات وظيفته أن يحذر الرئيس من العواقب السياسية لقراراته. قبل وفاته قال «بو بايدن»، نجل نائب الرئيس الأميركي، لوالده، إنه يريده أن يرشح نفسه لأسباب منها، أنه لا يريد أن يسقط البيت الأبيض مرة أخرى في مستنقع قيم عائلة كلينتون. ويشار إلى أن الرئيس قد ألقى خطابه في مؤتمر الحزب الديموقراطي، والذي كانت رسالته الرئيسية هي: «صوّتوا من أجل هيلاري أو واجهوا القيامة»، وذلك بعد مرور 22 يوماً فقط على وصف مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي لهيلاري بأنها سياسية متهورة وغير صادقة. وكان من رأي أوباما أنه ليس ثمة من خيار سوى دعم هيلاري في مواجهة «منقذ مدّعٍ» مثل دونالد ترامب، متناسياً أنه هو نفسه قد وُصف ذات يوم بأنه «المسيح المخلص». ما يمكن لي قوله في نهاية المطاف، هو أن أوباما لم يتخلص من ماكينة عائلة كلينتون، بل عمل على تمكينها بدلاً من ذلك. وما يتضح لنا من خلال ذلك كله، هو أننا لا نختار شخصاً ما كي يكون رئيساً لنا، بناءً على ما نشعر به في قرارة أنفسنا، وإن المسألة برمّتها لا تتعدى كونها محض سياسة. -------------------- *كاتبة ومحللة سياسية أميركية ----------------------------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز »