يستند المجتمع الهندي منذ عصور على النظام الطبقي. وخلال كفاح الهند من أجل الحرية، بذل أبرز قادة حزب «المؤتمر» مثل غاندي ونهرو ما في وسعهم لإنهاء النظام الطبقي من خلال جلب الطبقة الدنيا من الشعب والمعروفة باسم «الداليت» إلى التيار الوطني. وبعد وقت قصير من الاستقلال عن بريطانيا، أعطيَ هؤلاء الناس من الطبقة الدنيا أماكن في المدارس والكليات والوظائف الحكومية في محاولة لرفعهم. بيد أن العادات القديمة لا تموت بسهولة. ولا يزال هناك قدر كبير من التحيز ضدهم في المجتمع بعد ما يقرب من 70 عاما على استقلال البلاد. وحزب «بهاراتيا جاناتا» الحاكم، والذي يُعرف عادة باسم حزب الطبقة العليا، تمكن خلال الشهرين الماضيين من التواصل مع مجتمع الطبقة الدنيا في إطار الجهود التي يبذلها لزيادة نفوذه والفوز في الانتخابات في أكبر ولاية هندية، وهي ولاية «أترابراديش». ولكن في هذا الأسبوع، لاقت جهوده للوصول إلى معظم القسم الأقل حظاً في المجتمع انتكاسة كبيرة في مسقط رأس رئيس الوزراء «ناريندرا مودي» نفسه في ولاية «جوجارت». واندلعت احتجاجات واسعة النطاق بعد أن جُرد أربعة رجال من طبقة «داليت» من ملابسهم وضربوا من قبل رجال ينتمون لإحدى جماعات «حماية البقر»، التابعة للحزب الحاكم، وذلك لقيامهم بسلخ بقرة. ويظهر فيديو للواقعة تم تداوله على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي، الأربعة رجال «الداليت» وهم مقيدون بالسلاسل في مؤخرة سيارة، ويضربون بالعصي وسط حشد من المتفرجين. وقد حول السيد «مودي»، الذي حكم ولاية «جوجارت» لمدة 15 عاما قبل أن يصبح رئيساً للوزراء، هذه الولاية الهندية الغربية إلى قوة اقتصادية، غير أن مكاسب هذا النمو الاقتصادي سريع الخطى لم تظهر آثارها على طبقات المجتمع الدنيا. وما زالت «الداليت»، التي هي حتى الآن في أسفل التسلسل الهرمي الطبقي، تواجه وصمة المجتمع والفقر في جميع أنحاء الهند، على الرغم من كونها تجمعاً سياسياً مهماً، تتودد إليه الأحزاب السياسية المختلفة لكسب أصواتهم. لكن الاحتجاجات في جوجارت، التي حاول أكثر من 12 شخصاً فيها من طبقة «الداليت» الانتحار، جاءت بلا شك كانتكاسة لحزب «بهاراتيا جاناتا»، ولن يؤثر هذا فقط على أصوات «الداليت»، عند إجراء الانتخابات في جوجارت العام المقبل، لكنه من المتوقع أيضاً أن يؤثر أيضاً على انتخابات ولاية «أوتار براديش» القادمة. وتشكل طبقة «الداليت» 7% من السكان في ولاية جوجارت. وفي حين أنهم كانوا من أوائل المؤيدين لحزب الكونجرس، إلا أنهم نقلوا ولاءهم خلال العقود الماضية لمصلحة حزب «بهاراتيا جاناتا»، وقد يؤدي العنف ضد «الداليت»، من قبل عناصر يمينية، إلى عودة مجتمع الداليت إلى حظيرة حزب المؤتمر. وبالمثل، فإن ولاية «أوتار براديش» الشمالية وهي واحدة من بين أفقر الولايات في الهند تعد مهمة من الناحية السياسية، حيث إنها ترسل أكبر عدد من الأعضاء إلى البرلمان الفيدرالي. وفي حين أن الأحزاب الإقليمية كانت تحكم هذه الولاية منذ فترة طويلة، يأمل حزب «بهاراتيا جاناتا» هذه المرة أن يفوز في الانتخابات هناك. وهو يستطيع تحقيق ذلك فقط إذا استطاع أن يصل إلى الطبقات الدنيا من المجتمع، بيد أن هندسته الاجتماعية من المزج بين أصوات مجتمع «الداليت» وتأييد الطبقة العليا ربما لا تتوحد. وتظهر الأحداث الأخيرة أن الحزب الحاكم لديه مهمة صعبة تتمثل في التودد مرة أخرى ل«الداليت»، وعلى الرغم من أن حكومة «مودي» سارعت لاحتواء التداعيات السياسية لاحتجاجات «الداليت» من وصف «الفظائع التي ترتكب ضدهم بشرور اجتماعية»، إلا أن جماعات المعارضة أطلقت خطبة شديدة اللهجة ضد الحزب الهندوسي القومي الحاكم وأتباعه من اليمين المتطرف بسبب الأيديولوجيات المعادية للطبقة الدنيا وطبقة «الداليت»، وقد ذهب حزب «باهوجان سماج»، وهو واحد من حزبين إقليميين قويين في ولاية «أوتار براديش»، إلى حد القول إن كلا من «الداليت» والمسلمين يتعرضون للاضطهاد في ظل هيمنة حزب «بهاراتيا جاناتا» الحاكم. وبالتالي، فإن التحدي الرئيس ل«مودي» يتمثل في كبح جماح العناصر اليمينية الهندوسية المتطرفة. منذ أن تولى «مودي» السلطة عام 2014، أصبحت جماعات «حماية البقر» التابعة لحزبه الحاكم، نشطة على نحو متزايد. وفي الفترة التي سبقت الانتخابات، وعد مودي بحماية البقر، الذي يقدسه الهندوس الذين يشكلون 60% من الشعب الهندي. وقد وعد الحزب، في برنامجه الانتخابي، بوضع «إطار قانوني لحماية البقر ونسله». وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء لم يتحرك حتى الآن بشأن فرض الحظر الفيدرالي، إلا أن حزبه الذي يحكم ولاية «ماهاراشترا» قد فرض بالفعل حظرا على اللحوم، في حين أن ولاية أخرى «هاريانا»، التي يحكمها حزبه، أصدرت قوانين أكثر صرامة، حيث جعل بيع اللحوم جريمة لا يمكن الخروج منها بكفالة. وقد أعدم حداد مسلم على يد الغوغاء العام الماضي على خلفية شائعات بوجود لحوم في بيته. وبالنسبة ل«مودي»، الذي يعد بتحقيق النمو الاقتصادي وتوفير فرص عمل، فإن جماعات «حماية الأبقار» ربما تمثل حجر عثرة للوصول إلى طبقة «الداليت» وتوسيع قاعدة الدعم لحزب بهاراتيا جاناتا الحاكم. *مدير مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي