رغم أنني لا أتوقع نتائج قانونية فعلية للجهود التي ستبذل بناءً على الطلب الذي تقدم به رياض المالكي إلى قمة نواكشوط باسم الرئيس محمود عباس فإنني لا أستبعد أن يسهم في إحياء التاريخ الفلسطيني في المحافل الدولية. لقد طلب الرئيس الفلسطيني من العرب تقديم المساعدة لإعداد ملف قانوني لمقاضاة الحكومة البريطانية بسبب إصدارها وعد بلفور الشهير عام 1917. هذا الطلب الرسمي ليس جديداً بل يمثل تبنياً لفكرة طرحها مثقفون فلسطينيون منذ فترة. ولقد اطلعت أجيال عربية متتالية على نص هذا الوعد الذي عبر عن التعاطف مع مطلب إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. طلب عباس الجديد يهدف في تقديري إلى لفت الأنظار إلى الأصل السياسي للمشكلة الفلسطينية وتحفيز الحكومة البريطانية الحالية على بذل أقصى ما تستطيع من جهود بعد قرن من ذلك الوعد لدعم مطلب الشعب الفلسطيني في إنشاء دولته المستقلة في حدود الرابع من يونيو.. وهذا هدف ممكن وقابل للتطبيق، حيث سيكون الدعم البريطاني للمطلب الوطني الفلسطيني في إطار حل الدولتين العربية واليهودية، وهي رؤية توافق عليها بريطانيا أصلاً هي وسائر الدول الأوروبية. الحركة الصهيونية قبل هذا الوعد لم تكن تملك الأدوات الجوهرية التي تمكنها من تحقيق هدف إنشاء دولة لليهود على أرض فلسطين. كانت الحركة الصهيونية حتى عام 1917 كياناً هزيلاً ممثلة بمجرد مؤتمرات ودعاية وتبرعات وجهود سياسية لطرق أبواب الدول الكبرى في ذلك الوقت للحصول على الدعم السياسي الدولي بدءاً من السلطان العثماني ومرواً بالقيصر الألماني وانتهاء برئيس الوزراء البريطاني. كذلك لم تكن فلسطين مكان التوطين المحتمل الوحيد لليهود الأوروبيين الذين كانوا يعانون من الاضطهاد الأوروبي، بل طرح أيضاً اقتراح بأن تكون أوغندا أو الأرجنتين هي المكان. هذا من الجانب السياسي، أما من الجانب العملي، فلم تكن الحركة قد نجحت في هدف تهجير اليهود إلى فلسطين واقتصر إنجازها على تهجير أعداد قليلة من الشباب اليهودي الأوروبي من مواطنه إليها. كان معظم الشباب اليهودي آنذاك منصرفاً عن الحركة الصهيونية إلى خيارات أخرى منها تفضيل الهروب من الاضطهاد الأوروبي بالهجرة إلى القارة الأميركية أو النضال داخل أوروبا لنيل حكم ذاتي يهودي أو الانخراط في صفوف الحركات الثورية لإسقاط النظم الحاكمة في روسيا وأوروبا الشرقية تحت شعارات الثورة الاشتراكية التي كانت تمنيه بالمساواة مع الأوروبيين المسيحيين. من الواضح تاريخياً أن هذا الوضع البائس للحركة الصهيونية قد تغير بعد الوعد حيث شعر الشباب اليهودي أن الهجرة إلى فلسطين لم تعد مجرد حلم رومانسي بل أصبحت عملية سياسية واعدة ولذلك نلاحظ أن أهم وأكبر الهجرات اليهودية التي تمت منذ عام 1882 جاءت بعد الوعد وبعد صدور صك انتداب بريطانيا على فلسطين، وهي الهجرة التي جاءت من روسيا وشرق أوروبا عام 1921 تحت اسم الهجرة الثالثة وضمت بضعة آلاف من الشبان الذين وضعوا الأساس الفعلي لعملية استيطان فلسطين، والتي تطورت بعد ذلك إلى إنشاء الدولة الإسرائيلية عام 1948. وإذا كانت هذه كلمة التاريخ، فالأغلب أن أحداً في عالم اليوم لن يعوضنا عن الإجحاف التاريخي وبالتالي علينا ألا نشتت الأنظار، وأن نركز على ما يجدي اليوم سياسياً وقانونياً ويمثل هدفاً قابلاً للتحقيق في الواقع الدولي والإقليمي الراهن. بعبارة أخرى المطلوب هو التركيز على مطلب القمة العربية لإقامة الدولة الفلسطينية ووضع جدول زمني لتنفيذ هذا المطلب طبقاً لمبادرة السلام العربية والمرجعيات السياسية والقانونية الدولية.