مثل إعلان المرشحة الديمقراطية الأميركية هيلاري كلينتون عبر التويتر عن اختيارها للسيناتور «تيم كين» مرافقاً لها على بطاقة الترشيح الرئاسي عن منصب نائب الرئيس، ضربة معلم سياسية قوية أخرى، تهتدي إليها السيدة الأولى السابقة ضمن مسيرتها الصعبة على طريق العودة إلى البيت الأبيض من جديد لتكون، هذه المرة، هي أول رئيسة في تاريخ الولايات المتحدة. ويوجه اختيار «تيم كين» صفعة ديمقراطية أخرى قوية للمرشح الجمهوري دونالد ترامب، المتمول القادم من خارج الطبقة السياسية، والطامح لاقتحام البيت الأبيض، وذلك لأنه قد اختار، في المقابل، سياسياً شبه مغمور ومحدود الخبرات السياسية، هو «مايك بينس»، حاكم ولاية إنديانا، الذي يعتبر غير جاهز في نظر منافسيه لتولي منصب نائب رئيس أكبر دولة في العالم. ولذا فإن اختيار «كين»، سيكون مرجحاً آخر بقوة لفوز ديمقراطي شبه محتوم أصلاً رغم غوغائية وسوقية وصخب الحملة الجمهورية اليائسة، من وجهة نظر الديمقراطيين. ولكن من هو «تيم كين»، الإنسان والسياسي، والمترشح الرئاسي! ولد «تيم كين» في 26 فبراير 1958 في مدينة سان بول بولاية مينيسوتا، وعاش سنوات طفولته ومسيرته المدرسية الأولى في مدينة كانساس بولاية ميسوري، وفي سنة 1979 التحق بكلية القانون بجامعة هارفارد، وخلال فترة دراسته في تلك الجامعة المرموقة أخذ إجازة لمدة 9 أشهر، في العام الجامعي 1980-1981 للعمل متطوعاً في منظمة تبشيرية في هندوراس، ومن هناك تعلم الحديث باللغة الإسبانية بطلاقة، وهي خبرة ستفيده الآن كثيراً في التواصل مع جمهور ناخبي «الهيسبانيك» في أميركا اليوم. وفي سنة 1983 تحصل «كين» على شهادة المحاماة، وسجل اعتماده في العام التالي محامياً في مكتب محاماة ولاية فرجينيا، حيث تخصص في الدفاع عن القضايا المتصلة بالحقوق المدنية، وهذا النوع من القضايا عادة لا يخلو من أبعاد نضالية سجالية، في السياق الأميركي وخاصة في تلك الأيام في منتصف ثمانينيات القرن الماضي. وقد أخذ النزوع نحو الاهتمامات السياسية يزداد لدى «تيم كين» منذ مطلع التسعينيات، حيث تم انتخابه في سنة 1994 وهو في سن ال36 فقط، عضواً في المجلس البلدي لمدينة ريشموند عاصمة الولاية، وأعيد انتخابه في ذات المنصب أيضاً بعد سنتين في 1996. وفي 1 يوليو 1998 عندما كان عمره في ال40 اختير من طرف زملائه في المجلس البلدي عمدة للمدينة. وكانت تلك هي أول مرة منذ عشر سنوات من ذلك التاريخ يتولى عمودية المدينة فيها رجل من غير أصول أفريقية- أميركية. وفي سنة 2001 واصل «تيم كين» صعوده السياسي بقوة حين ترشح لمنصب نائب حاكم ولاية فرجينيا، وبعد انتزاعه لبطاقة الترشيح الديمقراطي لذلك المنصب وجد نفسه مباشرة في مواجهة مرشح الجمهوريين «جاي كاتزن» الذي فاز عليه بفارق ملحوظ. ومنذ مطلع عام 2002 باشر مهام منصبه الجديد، وكانت زوجته «آن هولتون» -وهي أيضاً محامية الولاية، وقاضية، وابنة حاكم سابق للولاية نفسها- تساعده بقوة في مسيرة صعوده السياسي ومساره المهني بشكل عام. وخلال تلك الفترة كان يتولى بحكم منصبه إدارة شؤون مجلس شيوخ ولاية فرجينيا، وكانت هذه مهمة صعبة لكون غرفتي المجلس التشريعي للولاية يومها تحت سيطرة الحزب الجمهوري. ومع اقتراب موعد نهاية ولايته كنائب حاكم، أعلن «تيم كين» في 2005 عن رغبته في خوض السباق الانتخابي على منصب حاكم الولاية، وخاصة أن الحاكم الذي قبله «مارك ورنر» لم يكن يستطيع الترشح أو التقدم للتجديد بحسب قوانين الولاية. ومن دون أي منافس دفع به الحزب الديمقراطي مرشحاً وحيداً عنه لمنصب الحاكم. وقد طغى على الحملة الانتخابية الصعبة التي خاضها للوصول إلى منصب حاكم ولاية فرجينيا كثير من السجال والجدال حول قضايا وطنية عامة على مستوى الولايات المتحدة، وقد أبرز في سجالاتها قدرات سياسية وخطابية مقنعة. وقد بلغت الحملة الذروة خاصة في المناظرة التلفزيونية التي قال فيها «تيم كين»، وهو كاثوليكي، متدين، إنه شخصياً مناهض لتطبيق عقوبة الإعدام لأسباب دينية، ولكن قناعاته الدينية لا تمنعه أيضاً من تطبيق هذه العقوبة إن حكم ولاية يفضل ناخبوها تطبيقها. وكان منافسه الجمهوري على منصب الحاكم «جيري كيلغور» يعزف خلال الحملة كثيراً على وتر تدين «تيم كين»، وينشر إعلانات تلفزيونية تقول إن «كين» يمنعه تدينه من تنفيذ عقوبة الإعدام على عتاة المجرمين حتى لو تعلق الأمر بأدولف هتلر نفسه! وفي المقابل ظل «كين» يقسم الأيمان أنه لن يتردد أبداً في تنفيذ القانون بما في ذلك عقوبة الإعدام، ولن يسعى أبداً لتعديل قوانين بهذا الصدد، كما لن يستفيد عتاة المجرمين أيضاً من حق العفو الذي يتمتع به الحكام، إن هو تولى حكم الولاية. وفي النهاية، في يوم الاقتراع، حسم ناخبو الولاية الأمر لمصلحة «تيم كين» الذي فاز بنسبة 51,7% من أصوات الناخبين الذين زاد عددهم على المليون. وكانت هذه، في الحقيقة، هي أول حملة سياسية كبرى، بالمعايير الأميركية، يخوضها «تيم كين»وقد خرج منها في النهاية بفوز وموقف معزز. ومنذ مطلع سنة 2006 تولى «تيم كين» منصبه حاكماً لولاية فرجينيا، وكان من اللافت مباشرته لعمله في بلدة ويليامبورغ عاصمة الولاية السابقة في عهد الاستعمار الإنجليزي، وذلك لأسباب إجرائية، وكان بهذا هو أول حاكم لها بعد توماس جيفرسون يباشر عمله من تلك البلدة. وطيلة فترة حكمه للولاية أثبت أنه عند كلمته فلم يعطل أو يعرقل تنفيذ حكم الإعدام في أي من الثمانية مدانين الذين أعدموا في ولايته، وإن كان رفض أيضاً بشدة الموافقة على الكرسي الكهربائي كوسيلة لتنفيذ أحكام الإعدام. وقد ظل أيضاً، لأسباب دينية، مناهضاً بقوة للإجهاض، وزواج الشواذ. ومع نهاية فترة حكمه للولاية أعلن عن رغبته الترشح لمجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية فرجينيا، التي انتخب سيناتوراً عنها في 6 نوفمبر 2012. وهنا بدأ قصة صعود سياسي أخرى كبرى على المستوى الوطني الأميركي حيث باشر مهامه مع مطلع عام 2013 ونال عضوية لجنة القوات المسلحة، ولجنة الميزانية، ولجنة الشؤون الخارجية، ومنذ شهر يوليو من نفس العام تولى رئاسة هذه اللجنة الأخيرة في مجلس الشيوخ وهي معنية بالشرق الأوسط، وجنوب آسيا، ومكافحة الإرهاب. ويعرف عن «تيم كين» دفع الحزب الديمقراطي به في بعض أقوى السجالات والاستقطابات الحزبية الكبرى كتوليه الرد علي إدارة بوش وسياساتها في أكثر من استحقاق سياسي وإعلامي كبير. كما أيضاً كان مرجحاً بقوة للترشيح على منصب نائب الرئيس مع المترشح -الرئيس فيما بعد- باراك أوباما. ولذا فإن إعلان المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون الآن عن اختياره مرافقاً لها على بطاقة الترشيح الديمقراطي في استحقاق نوفمبر المقبل الرئاسي، يعد تتويجاً لسيرة ومسيرة سياسية حافلة بالنجاحات والإنجازات على المستويين الولائي والاتحادي في أميركا، كما أنه اختيار أيضاً من شأنه أن يعظم من فرص فوزها بالنظر إلى الدور المؤثر الذي تلعبه ولايته فرجينيا، وأيضاً لشعبية «كين» الطاغية في هذه الولاية، والكونجرس، ولكونه سياسياً ديمقراطياً تقدميا، وبراغماتياً في الوقت نفسه، وصاحب حظ وحظوة وحضور في القلوب على المستوى الوطني الأميركي بشكل عام. حسن ولد المختار