على رغم أن تركيا تبعد بمسافة شاسعة عن ولاية كليفلاند، حيث يعقد «الجمهوريون» مؤتمرهم الانتخابي الرئاسي، فإنني سأحثكم، مع ذلك، على دراسة الانقلاب العسكري الفاشل، ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. أميركا تختلف بالطبع عن تركيا، ولكن من ناحية الشخصية، والاستراتيجية السياسية، يمكن القول إن أردوغان وترامب يتشابهان. والدراما التي تدور أحداثها في تركيا اليوم، هي قصة تبين المدى الذي يمكن لدولة كانت ناجحة يوماً ما، أن تخرج به عن مسارها السليم، وذلك عندما يصل الحال برئيسها، الذي يشيطن جميع منافسه، وينخرط في تأليف نظريات مؤامرة، إلى الاعتقاد بأنه «الرجل الوحيد» القادر على جعل بلده عظيماً مرة أخرى، كي يكون لديه المبرر أن يرسخ نفسه أكثر في السلطة. دعونا نبدأ بأردوغان. اعترف هنا أنني عندما سمعت أنباء محاولة انقلاب 15 يوليو، فإن أول ما خطر ببالي، هو استشارة خبيرة السياسة الخارجية الكبيرة، التي تكتب عمود «الإتيكيت» في صحيفة «واشنطن بوست»، تحت اسم مستعار هو«ميس مانرز» Miss Manners، وأن أوجه إليها سؤالاً كان يدور في ذهني هو:«ما هي الاستجابة الصحيحة عندما تحدث أشياء سيئة لأناس سيئين؟». قلت لها:«عزيزتي ميس مانرز: أنا أعارض بشكل غريزي الانقلابات العسكرية ضد الحكومات المنتخبة ديمقراطياً، مثل حكومة تركيا، ولكن هل أعتبر شخصاً سيئاً، إذا ما كان قد انتاب جزء مني الإحساس بأن الرئيس التركي كان يستحق ذلك؟». إن أي شخص كان يتابع الشأن التركي عن قرب، كان يدرك أن أردوغان يعد العدة، خطوة تلو خطوة، وعلى مدى سنوات، للقيام بتطبيق سياسات تتناقض مع الديمقراطية التركية من خلال حبس الصحفيين، وملاحقة المنافسين بفواتير ضرائب هائلة، وإحياء الحرب الداخلية ضد الأكراد الأتراك، لتأجيج المشاعر القومية، من أجل تعزيز جهوده الرامية للقبض على المزيد من السلطات، وتحويل نفسه، بشكل عام، إلى سلطان معاصر يظل في منصبه لمدى الحياة. أنا مسرور لفشل الانقلاب، وخصوصاً للطريقة التي تم بها ذلك- خروج العديد من الأتراك العلمانيين الذين كانوا يعارضون حكم أردوغان، وتعرضوا للإساءة جرائه، إلى الشوارع للتصدي للمتآمرين انطلاقاً من مبدأ أن الديمقراطية التركية، يجب المحافظة عليها في جميع الأحوال. وقد كان هذا في الحقيقة عملاً مثيراً للإعجاب من أعمال الحكمة الجماعية، وعرضاً باهراً للحساسية الديمقراطية. إن نضج الشعب التركي، أدى إلى أن أردوغان حصل على ما يطلق عليه لاعبو الجولف «الموليجان» Mulligan، أو فرصة أخرى لتكرار المحاولة، لإظهار التزامه بالمبادئ العالمية للديمقراطية. ولكن هل سيفعل أردوغان ذلك حقاً؟، أم أنه سيعود على الفور لوسائله المفضلة وهي: تقسيم الأتراك إلى مؤيدين وأعداء للدولة، ونسج نظريات المؤامرة، واستخدام الانقلاب الفاشل كذريعة للقيام بحملة «مطاردة ساحرات»، ليس لملاحقة المتآمرين فقط، وإنما ملاحقة أي شخص جرؤ على معارضة خططه. المؤشرات المبكرة سيئة. فبعد مرور يوم على الانقلاب الفاشل، أقدم أردوغان على فصل 2745 قاضياً وعضواً في النيابة العامة. والسؤال هنا كيف عرف أردوغان خلال يوم واحد فقط، من الذي سيقوم بفصلهم تحديداً؟، وهل لديه بالفعل قائمة أعداء؟ حتى الآن، أقدم أردوغان، على تطهير 1500 عميد من عمداء الكليات، وإلغاء رخص 21 ألف مدرس، واعتقل 35 ألفاً من رجال الجيش وقوات الأمن والقضاء، في إطار من حملته لـ«تطهير» داعمي الانقلاب. وهنا تكمن المأساة الحقيقية: لقد كان أردوغان زعيماً بارزاً خلال السنوات الخمس الأولى من ولايته، بعد أن نجح بالفعل في تحسين اقتصاد البلاد وأوضاع الطبقة الوسطى. ولكن منذ ذلك الحين خلق انقساماً في المجتمع التركي قائماً على نظرية «نحن في مقابل الآخرين»، بين الموالين له الأكثر تطرفاً دينياً، وبين المجتمعات الأخرى الأكثر علمانية في تركيا. كان من المحتم أن تعاني تركيا من ذلك التقسيم في المدى الطويل. هل يبدو ما أقوله هنا مألوفاً لكم؟ حسناً، إن ترامب يعتمد على التكتيكات نفسها: فهو يفبرك الحقائق والأرقام بمعدل هائل، كما يقوم على نحو منتظم بنسج نظريات المؤامرة، كما يعتمد هو الآخر على مقولة «نحن في مقابل الآخرين» في التعامل مع أتباعه. وهو، أيضاً، شأنه في ذلك شأن أردوغان مفتون ببراعته. علاوة على ذلك نجد أن معظم الأشخاص الذين أحاط ترامب نفسه بهم إما من أفراد عائلته، أو من أشخاص يصنفون على أنهم من الفئة الثانية، يتطلعون لأن يصبحوا نجوماً، ويلعبون أدواراً رئيسية بما في ذلك خياره لمنصب نائب الرئيس، والرجل الذي كتب الخطاب الذي ألقته زوجته في مؤتمر الحزب «الجمهوري»، والذي سرق جزءاً كبيراً منه من خطاب ميشيل أوباما. كان الأمر برمته في الحقيقة يفوح برائحة الخداع والتدليس. إذا انتخب «ترامب»، فلا أعتقد أنه سيكون هناك انقلاب عسكري، ولكني أستطيع أن أؤكد لكم أن تنبؤ جيب بوش سيثبت صوابه، وأن ترامب سيكون رئيساً فوضوياً، تماماً مثلما كان مرشحاً فوضوياً، وأن أميركا ستخرج بشكل منتظم للشوارع، لأن الشعب لن يتبع- في أي قضية كبرى- رجلاً يكذب مثلما يتنفس، رجلاً لم ينجز ذرة من واجبه المنزلي الذي يؤهله للاستعداد لتولي وظيفته، رجلاً يولد الدعم من خلال نظريات المؤامرة، ويجعل الناس خائفين، على مستقبلهم، وخائفين من بعضهم بعضاً. إذا ما كنتم تحبون ما يدور في تركيا اليوم، فسوف تحبون أميركا ترامب. توماس فريدمان* *محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»