من نقاط الجدل الشيقة عن لعبة «بوكيمون جو» السؤال عما إذا كانت لعبة الكمبيوتر التي أدمنها الناس، والتي يلعبها 9,5 مليون أميركي، وربما أكثر من هذا بكثير الآن، تمثل بالفعل واقعاً معززاً ورفيقاً تكنولوجياً جديداً للواقع الافتراضي. والسؤال قد يبدو فلسفياً إلى حد كبير، ولكن فلسفة الطريقة التي نستخدم بها الأجهزة الإلكترونية مهمة للغاية، وخاصة أن عصر ما بعد الهواتف الذكية قد بدأ تواً. وعلى رغم أن عدداً من الدوريات المتخصصة في التكنولوجيا وذات الاهتمامات العامة وصفت لعبة بوكيمون بأنها لعبة للواقع المعزز، لكن هذا غير صحيح على الأرجح بالمعنى الفني الصارم. وقد ذكر تقرير لمعهد ماساشوستس للتكنولوجيا عام 1997 - وقد كان المفهوم مطروحاً حين ذاك - أن الواقع المعزز هو تكنولوجيا «تندمج فيها الأشياء الافتراضية ثلاثية الأبعاد في بيئة واقعية ثلاثية الأبعاد آنياً». والمثال الذي طرحه التقرير منذ 19 عاماً هو وجود طاولة واقعية مع مصباح افتراضي ومقعدين افتراضيين. والشخصيات في لعبة بوكيمون التي طورتها شركة «نيانتك» الناشئة ليست شخصيات ثلاثية الأبعاد. فحين يشاهد لاعب شخصية على خريطة على شاشه جهازه يستطيع أن ينقر على الصورة وينتقل إلى كاميرا الهاتف المحمول، ويشاهد شخصية بوكيمون ثنائية الأبعاد لتظهر فوق أي شيء تراه الكاميرا. وهذا يصنع لقطات مضحكة على الشاشة مثل شخصية «ليكيتونج» في وسط ملعب للبيسبول أو شخصية «رتاتا» فوق قطة، ولكن ليس واقعاً معززاً فعلياً. لكن «صاني ديلون» من شركة «سينيا فينشر بارتنرز» يرى أن الواقع المعزز هو ما تسعى مايكروسوفت إليه من خلال برنامج «هولولينز» أو عمل «جوجل» على مشروعها «تانجو». وإذا فحصت عرضاً لما قد تبدو عليه لعبة بوكيمون باستخدام برنامج «هولولينز» فسيصبح لعبة مختلفة تماماً. ويرى «ديلون» أن المقاطع المصورة المجسمة التي يشاهدها الناس على هواتفهم المحمولة بمساعدة أجهزة «جوجل كاردبورد» للواقع الافتراضي ليست واقعاً افتراضياً في الواقع أيضاً. فمن أنتجوا هذه المقاطع لم يطيقوا صبراً كي يقدموا للجمهور تكنولوجيا ناضجة بما يكفي للاستهلاك الاقتصادي، أو ملائمة في السعر لمعظم أجهزة كمبيوتر الجيب. والعجلة جائزة تماماً إذا تبنينا تعريفاً مختلفاً للواقع المعزز لنقل ذلك التعريف المقترح من مارك جراهام من أوكسفورد وماثيو زوك وأندرو بولتون من جامعة كنتاكي ومؤداه أن «الواقع المعزز هو صلة بين الواقع والافتراض عبر تكنولوجيا المعلومات والشفرة يجري تفعيلها في أشكال محددة ذات طابع فردي في المكان والزمان». وفي هذا التعريف الغامض، فإن برنامج «جوجل مابز» الذي تم تطويره من برنامج سابق من ابتكار «جون هانكه» مؤسس شركة «نيانتك» يمثل عنصراً من عناصر الواقع المعزز. وعلى غرار هذه البرامج هناك برنامج «يلب» الذي يحدد موقع المطاعم ويقدم تقييمات عنها على الفور، وويكيبيديا التي نستخدمها الآن للبحث عن اسم أو مكان غير مألوف. والحال أن الهواتف الذكية عززت بالفعل واقعنا، وإذ نحملها فنحن لا نوجد في عالم من الأشياء المادية، بل نحمل مجموعة من التوصيفات والآراء وأجزاء من الشفرات المرتبطة بها أو التي يمكن ربطها بها. وهذا هو الاتجاه الذي تطور فيه جوجل وخريجوها مثل «هانكه» الهواتف المحمولة. وقد أنشأت جوجل فعلياً إمكانية للواقع الافتراضي في الجيل التالي من الهواتف الأندرويد. وفي الوقت نفسه طورت شركة «لينوفو» الصينية لإنتاج الإلكترونيات هاتفاً يدمج تكنولوجيا برنامج تانجو للواقع المعزز. وحين يُطرح هذا الهاتف في المتاجر في غضون شهر أو شهرين ستسمح للمستخدم على سبيل المثال بأن يضع في شقة سكنية في عالم الواقع أثاثاً افتراضياً ليرى ما إذا كان يلائمها أو يجول في متحف ليرى قصص المعروضات على شاشة الهاتف الذكي. ومن المفترض أن تكون هذه خبرات حقيقية ثلاثية الأبعاد للواقع المعزز المستند على خريطة ذات عمق في الوقت الآني. والنظر الذي يثير الحيرة لهذه الإمكانيات التي نشاهدها الآن وهي تطبيقات الواقع الافتراضي غير المثالية لـ«جوجل كاردبورد» و«بوكيمون جو» لا تعني إلا مساعدتنا في أن نألف فكرة أن الهاتف الذكي كاد يتحول إلى أداة مختلفة وأكثر قدرة ستدعم الواقع وتشوهه وتهرب منه. ومن المؤكد أن الواقع المعزز والواقع الافتراضي سيكون متاحاً بكامل مجده لأجهزة توضع على الرأس غالية الثمن ومتعبة. وكثير منا لن يتعب نفسه بشراء هذه الأجهزة لأنه ستكون لدينا أجهزة أقل روعة، ولكنها أسهل قطعاً في الحمل في كل الأوقات. ويشير «دويتشه بنك» إلى أن ارتفاع القيمة السوقية لشركة «ناينتيندو» التي تشارك في امتلاك شخصيات بوكيمون بسبب لعبة بوكيمون لن يكون له معنى إلا إذا ثبّت نصف الناس على الكوكب اليوم التطبيق على أجهزتهم وأنفق 5 في المئة من اللاعبين 100 دولار على عمليات الشراء في اللعب، وهو أمر غير متاح حالياً في بوكيمون. والهيمنة التي لا تصدق للعبة بوكيمون تبين أن أناساً كثيرين يريدون بالفعل أن تسير الهواتف الذكية على الطريق الذي تدفعهم جوجل إليه. وهذا يوضح أن نظارات جوجل ليست بعيدة جداً على كل حال. وبذلك ستبدأ مباراة جديدة أخرى لمنتجي الأجهزة ومطوريها على السواء. ---------------- كاتب روسي مقيم في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»