قضت إدارة أوباما سنوات من الخلاف مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلا أن البيت الأبيض سارع إلى إدانة محاولة الانقلاب الفاشلة خلال عطلة نهاية الأسبوع، وأوضح أنه يعتبر أردوغان، مهما كانت أخطاؤه، الرئيس الشرعي لبلده ولا بدّ من عودته إلى السلطة بالسرعة الممكنة. ولا يبدو أن هذا الموقف كان كافياً لتجنب تحوّل هذا الانقلاب الفاشل إلى أحدث حلقة من سلسلة الانتكاسات التي تشهدها العلاقات الفاترة بين واشنطن، وأقرب حليف لها في المنطقة. وكانت الولايات المتحدة تريد من أردوغان أن يقدم المزيد من المجهود العسكري في محاربة تنظيم «داعش» والتخفيف من ميوله السلطوية، إلا أنه من المرجح أن يدفعه الانقلاب الفاشل إلى التوجه نحو الجهة المعاكسة. ولقد سارع المسؤولون الأتراك بدورهم إلى تحميل مسؤولية الانقلاب للشيخ فتح الله غولن الذي بلغ 75 عاماً، ويعيش في منفاه في ولاية بنسلفانيا، وألمحوا إلى أن واشنطن تواطأت معه بطريقة ما في التخطيط لهذا الانقلاب، إلا أن البيت الأبيض نفى هذا الزعم بأسلوب غاضب. وتعقيباً على هذه الأحداث المتسارعة، قال «نيكولاس هيراس» الخبير في «مركز العمل من أجل أمن أميركي جديد» والمتخصص في الدراسات المفصلة المتعلقة بالأوضاع في تركيا: «كان المظهر الأكثر تسبباً في تخريب العلاقات بين البلدين يتعلق بالخطاب الاستفزازي التركي الموجّه ضد الولايات المتحدة. وكان من الواضح أن أردوغان بالغ في الاهتمام بوجود غولن في الولايات المتحدة من دون أن يفهم لماذا يمكن لهذا الرجل الذي وصفه بالإرهابي أن يعيش طليقاً هنا». وكان من الواضح أن التوتر المتصاعد قد بلغ أوجّه بعد أحداث الانقلاب الذي كان يهدف لعزل أردوغان والذي خلّف أكثر من 290 قتيلاً وأدى إلى حالة من الفوضى في تركيا، العضوة في حلف الناتو والتي كانت مرشحة ذات يوم للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. ويوم السبت الماضي، جمّدت تركيا كل العمليات العسكرية للولايات المتحدة والناتو في قاعدة إنجرليك الجوية والتي تعد معقلاً لأكثر من 1500 جندي وموظف أميركي والمركز الحيوي للحرب الجوية التي تشنها الدول الحليفة بقيادة الولايات المتحدة ضد تنظيم «داعش» الإرهابي. وعملت أيضاً على قطع التيار الكهربائي عن القاعدة لتجبر بذلك أفراد القوة الجوية الأميركية على استخدام «مصادرهم الخاصة لتوليد الطاقة». وبرر المسؤولون الأتراك إغلاق القاعدة بالزعم بأن الانقلابيين انطلقوا من «أنجرليك» واستخدموا طائرات تحميل الوقود لإعادة تزويد الطائرات النفاثة من طراز «إف-16» أثناء تحليقها، وهي التي قادها الطيارون المؤيدون للانقلاب. وتم اعتقال آمر القاعدة الجنرال «بكر أركان فان» الأحد الماضي مع ضباط آخرين كانوا يعملون فيها على الرغم من أن تركيا أعادت بعد ذلك فتح مجالها الجوي أمام الطائرات الحربية الأميركية. وكان مما أثار المزيد من قلق الإدارة الأميركية أن أعضاء من ذوي المراتب العالية في حكومة أردوغان اتهموا واشنطن بتقديم المساعدة المباشرة للمتآمرين الذين قاموا بمحاولة الانقلاب وللدرجة التي دفعت وزير العمل التركي «سليمان سويلو» إلى القول: «الولايات المتحدة هي التي تقف وراء هذه المحاولة الانقلابية». وسارع أردوغان ومؤيدوه إلى ربط أحداث العنف التي شهدتها تركيا بـ«غولن» مباشرة، واتهموا واشنطن بشكل غير مباشر وقالوا إنها تتحمل جزءاً من المسؤولية عما حدث ما دام هذا الشيخ يعيش في الولايات المتحدة. ولقد وُجهت هذه المزاعم باحتجاج قوي من وزير الخارجية جون كيري. ووفقاً لمصادر وزارة الخارجية الأميركية، عمد الدبلوماسي الأميركي الأول إلى إجراء اتصال مع نظيره وزير الخارجية التركي «مفلوت كايوسوغلو» السبت الماضي لتأكيد «دعم الولايات المتحدة للحكومة المنتخبة ديمقراطياً في تركيا»، ولكنه شدد أيضاً على أن «التلميحات العامة أو التصريحات العلنية عن أي دور للولايات المتحدة في محاولة الانقلاب الفاشلة عارية تماماً عن الصحة ويمكن أن تضرّ بالعلاقات القائمة بين البلدين». ويبدو أن هذه التصريحات لم تلقَ صداها عند أردوغان، حيث شرعت حكومته في تنفيذ حملة اعتقالات واسعة في صفوف الانقلابيين والمتآمرين معهم طالت 6 آلاف شخص من بينهم نحو 3 آلاف ضابط وجندي. وقال كبار المسؤولين في إدارة أوباما بمن فيهم نائب الرئيس جو بايدن إن أردوغان يحتاج إلى تعزيز جهوده لمراقبة الحدود الجنوبية مع سوريا لمنع المقاتلين الأجانب من المرور والالتحاق بتنظيم «داعش». وبداية هذا العام، قال وزير الدفاع آشتون كارتر إنه «يأمل» من تركيا فعل المزيد في الحرب ضد «داعش». وعبرت أنقرة أيضاً عن امتعاضها من الدعم الأميركي لوحدات حماية الشعب الكردي «YPG» التي برز اسمها كأكبر حليف لواشنطن والأكثر فعالية في ميدان المعركة ضد تنظيم «داعش». وتنظر أنقرة إلى هذه الوحدات على أنها تشكل امتداداً لحزب العمال الكردستاني «PKK»، وهو الميليشيا التي قتلت مئات المدنيين ورجال الأمن الأتراك في أثناء حربها لإقامة دولة كردية شمال شرق تركيا. يحدث هذا على الرغم من أن كلاً من تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تعتبر حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية، وأعربت كلها عن إدانتها للهجمات الدموية التي يشنها مقاتلوه داخل تركيا. والآن، يمكن لكيري أن يواصل دعوته للرئيس التركي بالتصرف باعتدال والانصياع لحكم القانون. وستكون هذه هي النصيحة الجريئة التي سيفضل أردوغان عدم الإنصات إليها. يوشي دريزن: كاتب متخصص في الشؤون التركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»