منذ البداية كان موقفنا عكس موقف الإدارة الأميركية المتمثل في أن الاتفاق النووي الذي أولاه الرئيس أوباما شخصياً أهمية قصوى لمنع حرب إقليمية ومنع إيران من أن تصبح خلال أشهر دولة نووية. أوباما يروج له بأنه واحد من أهم إنجازاته كرئيس، وأن الاتفاق النووي سيعيد إيران إلى المجتمع الدولي وسيرفع عنها العقوبات المتعددة الدولية والأميركية والأوروبية. وأن ذلك كله سيعزز مكانة ودور «الإصلاحيين» على حساب المحافظين في النظام الإيراني-وسيحسن رفع العقوبات مستوى المعيشة للشعب الإيراني الذي سيرد الجميل بالالتفاف حول «الإصلاحيين»- وهذا كله سيعقلن الخطاب والمواقف الإيرانية التي فاخرت بالسيطرة- عن طريق حلفائها- على أربع عواصم عربية في تدخل إيران الواضح في الشؤون الخليجية والعربية خدمة لمشروعها على حساب أمن واستقرار دولنا ومجتمعاتنا..إنه تفكير ساذج يغفل هيمنة المرشد على النظام! ولكن فشلت حسابات أوباما وإدارته، والذي حدث هو عكس ذلك تماماً، حيث تم رفع العقوبات عن إيران-وغض النظام العالمي الممثل ب 5+1 النظر عن دور وسلوك إيران ضد حلفاء الغرب من العرب والأتراك. شككنا منذ البداية وعلقنا أن الاتفاق النووي لن يغير سلوك ومقاربة إيران مع دول المنطقة. ومبدأ أوباما يرى أن الاتفاق النووي سيدعم التوجه المعتدل لإيران وينقل علاقتها مع جيرانها من الحرب الباردة المشتعلة بحروب بالوكالة، وتصعيد طائفي مدمر إلى السلام البارد! كما أن المآخذ الرئيسة على الاتفاق النووي هو عدم إنهائه لبرنامج إيران النووي، بل تجميده لعشرة أعوام-وعدم تفكيك بنيته التحتية كليا وعدم تضمينه وقف تجارب الصواريخ الباليستية. ولم يتطرق لسلوك وسياسة وتدخل إيران في شؤون الدول المجاورة، ولم يتطرق لدعم الإرهاب وسجل إيران في حقوق الإنسان وطريقة تعاملها مع الأقليات العرقية. لذلك لم تتردد إيران في خرق الاتفاق النووي مرات وبطرق مختلفة-وصارت أكثر جرأة وقدرة، ورُفعت عن إيران العقوبات في مطلع عام 2016-وتدفقت عليها مليارات الدولارات المجمدة- وزادت صادراتها النفطية من مليون برميل يومياً إلى 2.5 مليون برميل بعد مرور عام. وهذا تفسره إيران بأنه تصويت للمزيد من الثقة والقبول الدولي بإيران-بالرغم من تصدع وتردي علاقاتها مع جيرانها الخليجيين والعرب. المشكلة في مقاربة أوباما أن إيران رأت أن الاتفاق النووي يمنح إيران الشرعية والقبول الدولي والأموال لتنفقها على مشروعها، وللتصرف بجرأة وإقدام أكثر-وليس لبناء الثقة وطمأنة الجيران والتصرف بما تقتضيه سياسة حسن الجوار والوئام وروح الجيرة وتعاليم الإسلام من التعاون والتواصل. فرأينا إيران تتدخل أكثر في العراق وسوريا ولبنان واليمن. وشهدنا الخلايا الإرهابية التي اعتقلت في الكويت والسعودية والبحرين. وشهدنا زيادة الدعم في العراق وسوريا للنظامين وتحول الجنرال قاسم سليماني-قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني للمندوب الإيراني السامي الذي يشرف ويقود حرب القوات العراقية و«الحشد الشعبي» ضد تنظيم «داعش». ويشرف على قتال الحرس الثوري و«حزب الله» في ريف حلب في سوريا. وشهدنا تردي العلاقة لأدنى مستوى لها بين طهران ودول مجلس التعاون الخليجي منذ الثورة الإيرانية، خاصة بعد الاعتداء على السفارة والقنصلية العامة السعودية في طهران ومشهد-وقطع العلاقات وسحب السفراء ومقاطعة إيران لموسم الحج القادم-وتبع ذلك اصطفاف خليجي وعربي بقطع العلاقات وخفض التمثيل الخليجي والعربي في طهران وشن حملات إعلامية، ووصل الأمر بأن قاطعت وخفضت أكثر من نصف الدول العربية والخليجية علاقاتها مع طهران. وأتت الضربة المؤلمة بتشكيل «التحالف الإسلامي» العسكري والقيام بأكبر مناورة عسكرية لأكثر من عشرين دولة عربية وإسلامية في الربيع الماضي فسرتهما إيران بأنها تستهدفها! وتلى ذلك ولأول مرة يتم فيها إدانة إيران في «منظمة التعاون الإسلامي»، التي تضم 57 دولة على دورها وتدخلها في الشأن السعودي! ما شكل صدمة وعزلة إسلامية لإيران دفع بالرئيس الإيراني روحاني مع الوفد الرسمي لمقاطعة الجلسة الختامية التي عُقدت في إسطنبول وترأسها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان... دول مجلس التعاون الخليجي رحبت بالاتفاق النووي-بشرط قطعه كل الطرق بأن تصبح إيران دولة نووية، ويُعدل من سلوكها كجارة تتوقف بالتدخل في شؤوننا الداخلية، لكن المفارقة أن التنازلات البطولية التي استخدمها المرشد الأعلى علي خامنئي كمبرر وغطاء لخوض مفاوضات النووي مع القوى الكبرى-حسّنت العلاقات مع الولايات المتحدة والغرب-وقادت لتدهور العلاقات مع الجيران والعرب. ولم تنعكس إيجاباً على الملفات الشائكة الأخرى التي رفضت إيران أن تكون جزءاً من الاتفاق النووي وخاصة ما يسميه أوباما بسلوك إيران وتدخلاتها التي لم تحظ حتى بانتقاد أو تهديد أو مطالبة واضحة وصارمة من إدارة أوباما الذي كشف مقربون من الإدارة الأميركية بأن هوسها بالتوصل لاتفاق نووي جعلها تغض النظر عن جميع تصرفات وسلوك إيران في المنطقة على حساب الاتفاق النووي! بما فيه تصعيد إيران من تدخلها وزيادة دعم حلفائها في العراق وسوريا واليمن ولبنان والخليج! بعد عام على الاتفاق النووي وعام منذ قمة كامب ديفيد وقمة الرياض الوداعية لأوباما- تواصل إيران استفزازها وتدخلها وتبقى المواقف والتصريحات الأميركية تطمينات بلا ضمانات. لذلك تعمقت وتعقدت الحرب الباردة بيننا. وكبرت خيبة الأمل وزاد حجم عدم الثقة. ولا يبدو أن القادم من الأيام بعد الانتخابات الأميركية ستحدث التغيير الإيجابي المأمول! د. عبدالله خليفة الشايجي* *رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الكويت