ترعرعت على متابعة مؤتمرات كلا الحزبين الرئيسين في الولايات المتحدة. وفي الماضي كانت الشبكات التلفزيونية تغطي المؤتمرات من بدايتها إلى نهايتها. وفي غياب نتيجة مؤكدة، كانت تقع أحداث وتوترات في كثير من الأحيان. ولكن خلال العقود الماضية، فقدت المؤتمرات الحزبية إثارتها ورونقها، بعد أن أصبح المرشحون معروفين، وأضحت الأحداث أقرب إلى الإجراءات الشكلية بالنسبة إلى المرشحين والحزبين. ونتيجة لهذا، باتت التغطية التلفزيونية الآن تقتصر على بضع ساعات في كل ليلة. وتراجعت معدلات المشاهدة. وعلى الرغم من ذلك ربما يكون الوضع مختلفاً خلال العام الجاري، وإن لم يكن بطريقة جيدة، على الأقل كما يأمل قادة الحزب. ويرجع ذلك، إلى وجود ديناميكيات تنافسية تدفع وتقسم السياسة الأميركية في الوقت الراهن، وسيتضح ذلك كله خلال الأسبوعين المقبلين، عندما يجتمع «الجمهوريون» و«الديموقراطيون» لعقد مؤتمريهم الرباعيين في كليفلاند وفلاديلفيا. وبالطبع، ثمة انقسامات حزبية مفرطة أوجدت بيئة سياسية مسمومة، وفي الماضي كان تبادل الاتهامات والانتقادات اللاذعة بين الحزبين يحدث على هامش المشهد السياسي، ولكنها الآن أصبحت ملمحاً رئيساً في المسار السياسي اليومي. وعلاوة على ذلك، بات الكونجرس يعاني حالة من الشلل، ومن ثم تواجه تعيينات البيت الأبيض عراقيل، وتراوح الجهود المنطقية لتمرير القوانين اللازمة لإجراء إصلاحات ضرورية مكانها. ولم يعد هناك انقسام عميق بين الحزبين فقط، ولكن مثلما شاهدنا خلال موسم المنافسات التمهيدية الأخير، يواجه «الجمهوريون» و«الديموقراطيون» انقسامات داخلية أعمق. وبعد أن أصبح فوز دونالد ترامب بترشيح «الحزب الجمهوري» شبه مؤكد، خسر المحافظون التقليديون سيطرتهم على الحزب. وعليهم ألا يلوموا إلا أنفسهم على ذلك، ولا سيما أنهم قد قضوا الأعوام الثمانية الماضية وهم يغذون وحش كراهية كل ما يمت إلى أوباما بصلة، ورهاب الأجانب. وها هو الوحش الذي أوجدوه ينقلب عليهم ويلتهمهم. وفي حين عقد بعض «المحافظين» الأمل على حركة «إسقاط ترامب» في المؤتمر الحزبي، إلا أن هذه المحاولة أفشلتها لجنة القواعد في الحزب. وفي دلالة أخرى واضحة على الانقسام العميق داخل «الحزب الجمهوري»، للمرة الأولى في التاريخ الحديث، لن يحضر أي من الرؤساء السابقين الأحياء أو المرشحين في الانتخابات السابقة المؤتمر الحزبي، وتشمل القائمة جورج بوش الأب والابن، وبوب دول وجون ماكين وميت رومني. وربما يقتفي أثرهم أيضاً بعض كبار المندوبين. وبالتالي، فمن المتوقع ألا يحضر سوى أنصار ترامب، وإذا ذهب خصومه، فمن غير المؤكد كيف سيكون رد فعلهم. وبناء على ذلك، يصعب التكهن بما سيتمخض عنه مؤتمر «الحزب الجمهوري» في النهاية. فهل سيتم تنسيقه بحيث يصبح استعراضاً تلفزيونياً منسقاً لدونالد ترامب؟ أم أن المعارضين سيجدون سبيلاً لإظهار وجودهم؟. ولكن حتى من دون أي تعطيل داخل قاعة المؤتمر، يتجه المشهد في الخارج إلى التوتر، بينما يعتزم كثيرون من عناصر الحركة الاجتماعية، الذين سخر منهم ترامب، التجمهر في مواجهة خصومهم. وتعاني كليفلاند حالة من التوتر في الأساس، إذ إنها مدينة تقطنها أغلبية من ذوي الأصول الأفريقية، وكان لها نصيب كبير من حوادث عنف الشرطة المثيرة للجدل. أضف إلى ذلك التظاهرات التي ترعاها جماعات مناهضة للهجرة والمسلمين، وأخرى مؤيدة لحق حمل السلاح، وخصومها، وهو ما ينذر بحدوث مزيج قابل للاحتراق! وأكثر الأنباء المثيرة للقلق هو أنه في ضوء سياسة ولاية أوهايو التي تسمح بحمل الأسلحة المرخصة من دون إظهارها، فمن المحتمل وقوع «حادث» أو «مأساة». وفي توقع للاضطرابات، أخلت المدينة سجونها، ونقلت المسجونين إلى مواقع أخرى، وسيكون هناك انتشار مكثف لوكالات إنفاذ القانون المحلية والفيدرالية في أنحاء المدينة. وبعد أيام قليلة من مؤتمر «كليفلاند الجمهوري»، سيعقد «الديموقراطيون» اجتماعهم في فلاديلفيا للدفع بهيلاري كلينتون رسمياً كمرشحة رسمية لمنصب الرئيس. ومع إعلان «بيرني ساندرز» تأييده لكلينتون، وقراره عدم المضي قدماً في تحديه، استراح المسؤولون في الحزب، أملاً في أن يكون المؤتمر عرضاً تلفزيونياً مسالماً، ولكن على الرغم من تحرك «ساندرز» نحو الوحدة، فإنه من الضروري الإشارة إلى وجود بعض الانقسامات أيضاً. فترشح «ساندرز» لم يكن مجرد حملة انتخابية «ديموقراطية عادية». وإنما كان حركة سياسية واجتماعية حشدت الديموقراطيين الليبراليين وعدداً من جماعات ونشطاء الحركة التقدمية ممن لا تربطهم علاقات قوية بالحزب. ومن الجدير الإشارة هنا أن هؤلاء النشطاء سيحضرون في فلاديلفيا داخل وخارج المؤتمر. وعلى أية حال، فعلى الرغم من الجهود الحثيثة من منظمي المؤتمرين في كليفلاند وفلاديلفيا، فمن الممكن وقوع أحداث غير متوقعة.