أصبح برنامج الهند الفضائي، الذي شهد عدداً من النجاحات، محل حسد دول أخرى كثيرة. وعبرت شخصيات بارزة من صناعة الفضاء الأميركية الخاصة، في الآونة الأخيرة، عن اهتمامها بنجاح «منظمة أبحاث الفضاء الهندية» من إطلاق أقمارها الصناعية إلى الفضاء بكلفة تقل عن المنظمات الأخرى بنسبة 40 في المئة. وهذا الشهر، أضافت منظمة الفضاء الهندية ما يمكن اعتباره موضع فخر آخر بإطلاقها 20 قمراً اصطناعياً دفعة واحدة، في رقم قياسي لبرنامجها الفضائي الذي تم تطويره محلياً، والذي أصبح مثالاً لانخفاض كلفة إطلاق الأقمار الصناعية. وأطلقت الأقمار الصناعية العشرين جميعها في عملية استغرقت 25 دقيقة، وصفتها وكالة الفضاء الهندية باعتبارها «مهمة رئيسية». وأطلقت الوكالة قمراً اصطناعياً هندياً وقمرين اصطناعيين صنعهما طلاب جامعتين هنديتين، و17 قمراً اصطناعياً من كندا وألمانيا وإندونيسيا والولايات المتحدة. وأهم إنجاز هو أن شركة «تيرا بيلا» التابعة لـ«جوجل» فضلت الوكالة الهندية على وكالة بلادها، كما فعلت شركة إم/إس. بلانت لابس الأميركية وهي شركة أميركية خاصة لالتقاط صور للأرض. وعلى مدار العقدين الماضيين ظهرت الهند باعتبارها دولة رائدة في مجال إطلاق الأقمار الصناعية منخفضة الكلفة، وأطلقت 74 قمراً اصطناعياً أجنبياً، بما في ذلك ثمانية أقمار اصطناعية من سنغافورة على مدار العقدين الماضيين. وبرنامج الفضاء الذي يتحرك نحو تحسين الاتصال بالأقمار الاصطناعية وتطبيقات الاستشعار عن بعد، مثل توقعات الطقس وإدارة الكوارث، تشعب حالياً ليستهدف استكشاف الفضاء. وفي مايو 2014، أطلقت الوكالة الهندية «مارس أوربتر» (تابع المريخ)، لتصبح الهند أول دولة في آسيا تصل إلى الكوكب الأحمر. وتكلف القمر الاصطناعي نحو 70 مليون دولار فقط ،مقارنة مع 671 مليون دولار أنفقتها إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) على القمر الصناعي «مافن». وتبع ذلك نسخة مصغرة من تليسكوب هابل ونظام للملاحة مع سبعة أقمار اصطناعية للملاحة. ورغم أن الوكالة الهندية أطلقت عدداً من الأقمار الصناعية الأجنبية، لكن إطلاق 20 قمراً اصطناعياً مرة واحدة أظهر القدرة المتزايدة لبرنامج الفضاء الهندي. ويظهر أن الهند تستطيع أن تحقق نجاحاً في التصدي لأي مهمة معقدة، والعملية أكدت أيضاً أن الوكالة الهندية طورت جهازاً يعتمد عليه لإطلاق الأقمار الصناعية، مما جعل الشركات تثق في وكالة الفضاء الهندية. وبهذا الإطلاق تجاوزت الهند رقمها القياسي السابق حين أطلقت عشرة أقمار اصطناعية مرة واحدة عام 2008. لكن الرقم القياسي العالمي لإطلاق أكبر عدد من الأقمار الصناعية دفعة واحدة سجلته روسيا التي أطلقت 37 قمراً اصطناعياً عام 2014. وتأمل الوكالة الهندية حالياً أن تكثف أنشطتها التجارية وتستهدف إطلاق 70 قمراً اصطناعياً آخر في السنوات الخمس المقبلة. وكان لبرنامج الفضاء الهندي بداية متواضعة للغاية، ولم يكن الفضاء محور تركيز السنوات الأولى من استقلال الهند، نظراً لأولوية معالجة قضايا الأمية والفقر. وعمل كبار علماء البلاد في ظل ميزانية صغيرة للغاية لإنشاء برنامج الفضاء. ولاحقاً واجهت البلاد عقوبات على دخول الأدوات المتقدمة تكنولوجيا بعد اختباراتها النووية في الثمانينيات والتسعينيات، ولم يجد العلماء بداً من الاعتماد على الذات. لقد تعين عليهم ابتكار حلول لتصميم أقمار اصطناعية وصواريخ. ويعتقد كثيرون أن منع دخول التكنولوجيا المتقدمة ساعد بالفعل الهند وأجبر علماءها على ابتكار كل شيء. والسبب الرئيسي لنجاح برنامج الفضاء الهندي أنه استطاع إبقاء كلفة الإنتاج أقل من نظيراتها في الغرب. وبالإضافة إلى هذا، قرر البرنامج أن يبقي حجم الحمولة صغيراً واستخدم صواريخ أصغر للتوفير في الوقود دون التفريط في الجودة. ورغم أن هذا كان يعني عائدات أقل، حيث حصدت الهند نحو 100 مليون دولار فقط من إطلاق أول 45 قمراً اصطناعياً أجنبياً إلى الفضاء، لكن مهامها التي تتضمن مهمة المريخ لم تكن معقدة مثل مهام الولايات المتحدة. ومازال يتعين على الوكالة الهندية أن تبلغ القدرة على إطلاق أقمار اصطناعية أثقل وهي تتحرك ببطء نحو امتلاك القدرة على إطلاق أقمار اصطناعية أثقل، وهو ما سوف يمثل نجاحاً جوهرياً. الجدير بالذكر أيضاً أن ما ساعد الهند في تحقيق تقدم في هذا المجال هو أن الحكومات المتعاقبة ظلت تدعم برنامج الفضاء على مدار 60 عاماً على الأقل، وتضع كامل ثقتها في العلماء الهنود رغم حدوث انتكاسات كبيرة مثل انفجار جهاز لإطلاق أقمار اصطناعية مرة في عام 2010 وأخرى في عام 2011. وعززت الحكومة أيضاً دعمها للميزانية بتخصيص أكثر من 1.5 مليار دولار أميركي هذا العام وهي تراقب عن كثب تقدم برنامج الفضاء عبر لجنة تشكلت تحديداً لهذا الغرض. وتأمل الوكالة الآن حالياً تكثيف أنشطتها التجارية مستهدفة إطلاق أكثر من 70 قمراً اصطناعياً في السنوات الخمس التالية. وتجري الوكالة أيضاً اختبارات على محرك تبريد يساعد في تمكينها من بلوغ طموحات أعلى والانطلاق ببرنامج الفضاء الهندي إلى مرحلة أرقى. * مدير مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي