في عدد من الدول الأوروبية، تسعى الحركات الانفصالية القومية إلى الاستقلال عن حكومات دولها، لكنها في الوقت ذاته ترغب في البقاء ضمن الاتحاد الأوروبي. ويزعم المعلق السياسي البريطاني «ثيودور دالريمبل» أن هذا الجمع بين الموقفين يمثل «تناقضاً فجّاً». ويقول «دالريمبل»: «إن جميع الأحزاب القومية الحالية في الدول الصغيرة في أنحاء أوروبا، بداية من الاسكتلنديين والويلزيين وسكان الباسيك والكاتالونيين والفلمنكيين يؤيدون بقوة عضوية الاتحاد الأوروبي، والتي يتم تكريسها لإضعاف السيادة القومية.. وهذا تناقض فجّ يحتاج إلى توضيح». وفي الواقع، ليس ثمة تناقض كبير في ذلك؛ فالقوميون الانفصاليون في أوروبا يخشون تاريخياً من منافستهم العرقية المحلية أكثر من الاتحاد الأوروبي البعيد، والذي يُنظر إليه في بعض الأحيان على أنه حاميها من تلك المنافسات المحلية. وبالنسبة للقوميين الكاتالونيين، العدو الرئيس ليس الاتحاد الأوروبي، ولكن الحكومة الوطنية الإسبانية في مدريد. وبالنسبة لـ«الحزب الوطني الاسكتلندي»، العدو هو الحكومة البريطانية في لندن، وهكذا. بيد أن هناك تاريخاً حافلاً تنظر فيه الأقليات المحلية إلى مراكز القوة البعيدة كحماة ضد خصومهم أو قامعيهم المحليين. وفي الولايات المتحدة على سبيل المثال، كثيراً ما سعت الأقليات المحلية إلى الحصول على المساعدة من الحكومة الفيدرالية لمواجهة القمع من قبل حكومات الولايات والحكومات المحلية. ويرغب الانفصاليون الأوروبيون أيضاً أن يظلوا جزءاً من الاتحاد الأوروبي، لأنهم يعرفون أن دولهم المرجوة ستكون صغيرة جداً بحيث لا يمكنها الانفصال اقتصادياً من دون وصول مضمون إلى السوق الموحدة في الاتحاد الأوروبي. وبريطانيا كبيرة بما يكفي لتولي هذه المخاطرة، لكن اسكتلندا أو كاتالونيا ربما لن يمكنهما تحمل ذلك. وفي نهاية المطاف، على رغم أن زيادة قوة الاتحاد الأوروبي، فإنه لا يزال لا يفرض تنظيمات ولا يجبي ضرائب مثلما يمكن للحكومات المحلية أن تفعل، فعلى سبيل المثال، يشكل الإنفاق الحكومي زهاء 40 في المئة من إجمالي الناتج المحلي البريطاني، وأقل من واحدة في المئة منه يوجه إلى الاتحاد الأوروبي. وتقيد الحكومات المركزية في إسبانيا والمملكة المتحدة الحكم الذاتي الاسكتلندي، أو الكاتالوني أكثر بكثير مما يفعل الاتحاد الأوروبي، وحتى إذا سعى التكتل في نهاية المطاف إلى «إضعاف السيادة القومية»، مثلما يخشى «دالريمبل»، فإنه لا يزال بعيداً جداً عن تحقيق هذا الهدف، وقد لا يصل إليه أبداً. وعلى النقيض، بذلت الدول الوطنية القائمة جهوداً مضنية لتقييد سيادة أقلياتها، وإن لم تستطع القضاء عليها. ولهذه الأسباب، ليس من المفاجئ أنه في أعقاب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، من المرجح أن يطالب القوميون الاسكتلنديون بالسعي لتنظيم استفتاء جديد بشأن الاستقلال، يُمكّنهم ـ من بين أشياء أخرى ـ من البقاء في الاتحاد الأوروبي. ولا يعني ذلك أن انفصال اسكتلندا أو كاتالونيا أو المناطق المماثلة في الدول الأوروبية الأخرى هي بالضرورة فكرة جيدة، فأنا لست مؤيداً للنعرات القومية من أي نوع، وأعتقد أن الحركات الانفصالية يجب أن يتم تقييمها وفقاً للتبعات المرجحة وليس استناداً إلى أي حق مفترض لجماعات عرقية في أن يكون لها دولتها، فالعالم من وجهة نظري لن يكون مكاناً أفضل إذا استقلت اسكتلندا أو كاتالونيا. إيليا سومين* *أستاذ القانون بجامعة «جورج ماسون» الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»