بالأمس القريب فرحنا بقدوم شهر الصيام، واليوم بقيت لنا معه أيام قليلة، قبل أن يحل الوداع، وما أقساه من فراق. فكيف يسعد الإنسان بهجران من أحب وعاش معه صائماً نهاره قائماً ليله متلذذاً بشتى أنواع العبادات الجماعية منها والخاصة، فرمضان زاد المحب في علاقته بحبيبه، ودرب السائرين إلى رب العالمين، يرجون رحمته ويخافون عذابه، فكانت السعادة زادهم الروحي، وكانت الفرحة لا تكاد تفارقها وبالذات لحظة فطرهم، وقبل أن نودع هذا الشهر مع هلال شوال، أجد أن الوقت مناسب لكل إنسان منا، أن يسجل دروساً تعلمها من رمضان، وأفعالاً يود أن يحافظ عليها طوال العام، وفيما يلي نماذج من ذلك: الدرس الأول أن السعادة شأن ذاتي لا يستطيع أحد أن يهديك إياه أو يحرمك منه، إنه قرار السعادة الذي اتخذته بإعلان التوبة والسير على ما يرضي الخالق سبحانه، لقد جرب كل واحد منا هذا الشعور في رمضان، فإن كنت تريد السعادة الحقيقية، فقد عرفت سرها، فسر على دربها. الدرس الثاني يتلخص في أن العبادة هي رياضة روحية لا بد منها كي نشعر بالتوازن في حياتنا. لقد علمتنا المدنية الحديثة فنون التركيز على ركنين في حياتنا، الاهتمام بأجسادنا عبر الغذاء المفيد والرياضة المنتظمة، وتطوير التفكير وتنمية العقل، وهذا مطلب مشروع، لكن البشر الذين توقفوا عند هذا الحد كانت خلاصتهم في إنسان غير متزن، والذي قاده ما سبق من إشباع لملذات الجسد والعقل دون الروح إلى فراغ داخلي، وهنا يكمن سر إدمان البعض على المخدرات، أو حتى التفكير في إنهاء الحياة. الإنسان السعيد هو الذي يبني جسده، ويطور فكره وعقله، ويربط روحه بخالقه عبر طقوس أوحى بها الله تعالى إلى نبيه محمد (عليه الصلاة والسلام). الدرس الثالث هو في العطاء: لقد عودنا رمضان على الصدقة، فلا يوجد أخطر على الإنسان من الأنانية التي تجعل الأنا عنده غاية الوجود، وينسى معها بقية البشر الذين نعيش معهم، لكنهم حرموا بعض متطلباتهم كي يختبرنا الله بعجزهم. اليد العليا خير، وفي العطاء سخاء من المخلوق يضاعف به الأجر من الخالق. الدرس الرابع في العلاقات الاجتماعية التي تكون إيجابية في رمضان، فزيارة الأقارب والأرحام والتواصل اليومي مع الخلان ممارسات نشعر بعدها برضى عن الذات، لقد بينت دراسة أميركية امتدت لعقود من الزمان، وتم خلالها دراسة العديد من المتغيرات في حياة البشر على اختلاف أعراقهم ودرجاتهم العلمية ومهنهم التخصصية أن سعادة الإنسان تتلخص في مدى قدرته على بناء علاقة اجتماعية ناجحة وطويلة مع من يحب. المَدَنية حوّلت الناس للعيش في جزر متباعدة وعلاقات متباينة رغم كل التطورات في أجهزة الاتصالات، الإنسان يأنس بلقاء من يحب، وهذا هو مربط الفرس. الدروس المستفادة من رمضان، لا يمكن أن أحصرها في هذا المقال، لكنني كتبت نماذج منها، ولكم حرية إكمال هذا المقال بكلماتكم الخاصة التي تلخص تجربتكم مع رمضان. والقصد مما سبق هو فهمنا المغزى مما مضى، وأن نتفاكر في مشاريعنا المستقبلية بعد رمضان، كلنا يدرك أن نفسية الإنسان ومحبته للعبادة بعد رمضان تتغير، لكن ينبغي علينا الحفاظ على ما فرض ربنا علينا، ونجمل ذلك بما يتيسر من طاعات، فإن ختمت القرآن في رمضان لن تكون عاجزاً عن المحافظة على وِردٍ منه- مهما قل -بقية العام. وإن أسعدك الصيام، جرب أن تصوم يوماً واحداً في كلِّ شهر، وإنْ تيسر لك الأمر. والصدقة قربة، وهكذا تستمر التزكية بقية العام، حتى نجدد العهد في رمضان القادم إن شاء الله.