تمر القارة الأفريقية في عديد من مناطقها بتهديدات أمنية متعددة وخطيرة، ويقف عديد من دول أفريقيا كل على حدة عاجزة عن مواجهة تلك التهديدات منفردة، لذلك فإن إحدى الظواهر المرتبطة بالتطورات العالمية الحديثة هي ظاهرة التعاون النشط بين مجموعة من الفاعلين الخارجيين لدعم الجهود الإقليمية الأفريقية للتعامل مع التهديدات الأمنية التي تواجهها الدول الأفريقية. وفي مقابل ذلك منحت هذه الظاهرة دول أفريقيا وحكوماتها مساحة وفعالية أكبر للتعامل مع الحالات الأمنية الداخلية الخاصة بكل منها. وتشمل قائمة الفاعلين الخارجيين في الشؤون الأمنية لأفريقيا الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي الذين دفعوا بالأمم المتحدة للعب أدوار مؤثرة لمساعدة عمليات التعاون الإقليمي المشترك تجاه الصراعات الأفريقية القائمة، والاتحاد الأوروبي، ومنظمة الوحدة الأفريقية، وعدد من دول الخليج العربي هي المملكة العربية لسعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر، هذا بالإضافة إلى عدد آخر من المنظمات العالمية وحكومات الدول التي أصبحت ضالعة في المشاركة في احتواء صراعات بعينها وفي تعضيد التعاون الإقليمي الأفريقي المشترك. وضمن إطار استراتيجية الجهود الدولية الهادفة إلى مكافحة الإرهاب حول العالم، برز عنصر رئيسي جديد في هذا التطور العالمي هو الدعم الذي شرعت كل من الولايات المتحدة وأوروبا في تقديمه، خاصة في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، وتفجير مباني سفارة الولايات المتحدة في نيروبي، وتهدف هذه الاستراتيجية إلى تقوية التحركات الأفريقية لإزالة التهديدات الأمنية الموجهة إلى دول غير أفريقية عن طريق التدخل في الصراعات والسيطرة على الفراغات الناشئة غير المسيطر عليها، التي يمكن للجماعات الإرهابية والمتطرفة والراديكالية أن تنفذ منها أو تجد لها من خلالها ثغرات ومرتعاً لتجنيد الاتباع والتخطيط للهجمات الإرهابية وتنفيذها. في هذا السياق، قام المسؤولون البريطانيون على سبيل المثال بتطوير ما يعرف بـ«مجمع الصراع الأفريقي»، الذي يقوم بتمويل النشاطات الخاصة بمنع الصراعات وتحقيق الاستقرار وجهود حفظ الأمن. وقام المسؤولون في الولايات المتحدة من جانبهم بالضلوع في أنماط من العمليات المركبة لتنسيق الدعم الخاص بالتنمية الاقتصادية والمساعدات الأمنية، وتعضيد اشتراك المنظمات المدنية والجيوش والمنظمات متعددة الأغراض، والمنظمات الإنسانية في ذلك. أما من وجهة نظر المسؤولين الأفارقة أنفسهم، فإن المشاركة في إدارة الصراع الإقليمي تعد واحدة من أفضل الطرق لحكوماتهم، سواء كانت تواجه مخاطر مباشرة من الصراعات أم لا، وذلك في سبيل الحصول على الموارد والدعم الخارجي لتقويتهم سلطهم الداخلية. وتتعرض المساعدات الخارجية لأفريقيا على هذا الصعيد لانتقادات عدة، وينظر بعض الناقدين إلى هذه الاستراتيجيات الجديدة على أنها غطاء مبطن للسيطرة الإمبريالية الغربية الجديدة على أفريقيا، وذلك لأن الدول الأفريقية مجبرة على إعادة تصميم مؤسساتها لكي تستوعب نظاماً كونياً جديداً من المراقبة والسيطرة من شأنه خدمة أجندات خارجية، هي أساساً أجندات للدول الغربية، ويقوم آخرون بتعريف هذه الجهود بأنها أمر آخر، واسع بطبيعته، يتضمن أهدافاً تتعلق بالمقولة المعروفة بمسمى «بناء الدول»، الذي من شأنه الفشل في نهاية المطاف بسبب ما تعاني منه دول أفريقيا عن خواء داخلي يرتبط بالتدهور الاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي والسياسي والفساد الإداري والمالي. وفي واقع الأمر يوفر التعاون الأمني للحكومات، التي لديها مداخل إلى الدعم الخارجي فرصاً جيدة وربما مضمونة لتحقيق مناخ مناسب يساعدها على البقاء في السلطة وممارستها بأريحية تامة. وهناك العديد من الأدلة التي تفصح عن أن جميع حكومات أفريقيا تستغل الروابط المتينة بالدول الغربية والمنظمات الدولية للحصول على منافع جمة، وللتقليل من الانتقادات التي تواجهها على الصعد الأخرى، فالأنظمة الشمولية بالتحديد تستخدم الدعم الخارجي لتقوية وتدريب القدرات الخاصة بمهمات حفظ السلام مثلاً لكي ترى الناقدين أن الداعمين الخارجيين الأقوياء يدعمون سلطتهم على حساب مصالح مواطنيهم.