هناك ما يسمى بـ«ظاهرة ساندرز»، وهي ظاهرة حقيقية، والعوامل التي شجعت على ظهورها تحتاج إلى دراستها وفهمها. وعندما بدأت المنافسات التمهيدية في سباق الرئاسة الأميركية خلال العام الجاري، اعتبر كثيرون أن منافسة الحزب الديمقراطي بمثابة «صفقة محسومة». وكان من المفترض أن تصبح الوزيرة السابقة هيلاري كلينتون المرشحة الحتمية، وإن كانت المنافسات التمهيدية والمجمّعات الانتخابية شاقة ومتعبة، ولكنها صورة ضرورية على هيلاري أن تتحملها، إلى أن تحشد عدداً كافياً من المندوبين ليتم إعلانها مرشحة. وقبل عام مضى، كانت هيلاري تتقدم على بقية المرشحين في ميدان المنافسة الديمقراطي بما يتراوح بين 50 و60 نقطة، ولم يكن يُعتقد أن أحد خصومها سيكون منافساً جدياً، وخصوصاً «بيرني ساندرز» السيناتور الاشتراكي عن ولاية «فيرمونت» البالغ من العمر 74 عاماً. وحينئذ، حصل ساندرز على تأييد مجموعة أساسية من النشطاء التقدميين الذين يديرون حملته الانتخابية. وبعد عام، تغيرت أمور كثيرة، إذ ضاقت فجوة التأييد بين الديمقراطيين لهيلاري وساندرز إلى ما دون عشر نقاط. وعند حساب خيارات كافة الناخبين، من ديمقراطيين وجمهوريين ومستقلين، ومقارنة هيلاري وساندرز بصورة منفصلة في مواجهة مرشح الحزب الجمهوري» دونالد ترامب، تتضح صورة مختلفة. إذ يكشف متوسط استطلاعات الرأي خلال الشهر الجاري أن ترامب يتفوق على هيلاري بأقل من نقطة واحدة. ويظهر متوسط استطلاعات الرأي ذاتها تفوق ساندرز على ترامب بنحو 11 نقطة. وتكشف أيضاً استطلاعات الرأي في ولايات المنافسة الرئيسة بين الحزبين أرقاماً مماثلة، مع تقارب بين هيلاري وترامب وتقدم ساندرز على ترامب في جميع الولايات. وهذا هو ما يحدث، ولكن السؤال الذي يحتاج إلى إجابة: لماذا؟ هناك عدد من النقاط التي توضح الإجابة. إن جزءاً من مشكلة هيلاري أنها تترشح لمنصب الرئيس في عام يشكل فيه عدم ثقة الناخب في المؤسسات السياسية والاقتصادية المزاج العام في البلاد. ولا يعتقد كثير من الناخبين أن السياسيين ورؤساء الشركات يأخذون بعين الاعتبار راحة الشعب عند اتخاذ القرارات. وفي ضوء ذلك، أصبحت ادعاءات خبرة كلينتون وعلاقاتها القوية بالمستثمرين في «وول ستريت» عبئاً سياسياً. ولو أن المنافسة بين هيلاري وساندرز على أساس القادم من داخل المؤسسة أو من خارجها، لفاز ساندرز. وعلاوة على ذلك، تبقى مشكلة الصدق والثقة. فالاستطلاعات تظهر أن الناخبين، وخصوصاً الشباب ومعهم عدد كبير من أولئك الذين يعلنون عدم انتماءهم لأي من الحزبين، يميلون إلى ساندرز لأنهم يعتبرونه صادقاً، ويثقون فيه. وبين الناخبين الذين تقل أعمارهم عن 45 عاماً، يتفوق ساندرز على هيلاري بهامش 2 إلى 1. وعندما سئل جميع الناخبين عمن يثقون فيه بدرجة أكبر، فاز ساندرز بفارق 3 إلى 1. وهذان العاملان المتمثلان في عدم الثقة في المؤسسة والتلهف لزعيم صادق يمكن الوثوق به، يشكلان دعامتي «ظاهرة ساندرز». وأميركا، من دون شك، دولة ثرية. ويشير إجمالي الناتج المحلي وأداء سوق المال، على رغم التراجع من حين إلى آخر، إلى اقتصاد قوي. غير أن الدخل الحقيقي للطبقة المتوسطة ظل راكداً لعقود، وهو ما يجعل معظم الأميركيين يعانون من أجل تلبية احتياجاتهم. وعندما يشير ساندرز إلى أن أغنى الأغنياء الذين يشكلون 1 في المئة من الشعب الأميركي يسيطرون على أكثر من 90 في المئة من ثروة هذا الشعب، وعندما يشير إلى أن الطبقة المتوسطة تسيطر على نسبة من الثروة تقل عن أي طبقة متوسطة في أية دولة صناعية أخرى، فإن هذه الرسالة تجد صداها بكل تأكيد. وكذلك رسالته الأوسع بشأن العدالة الاجتماعية وإعادة ترتيب الأولويات السياسية والاقتصادية. وفي حين يتم رفض دعواته إلى «رعاية صحية من أجل الجميع»، و«تعليم عالٍ مجاني»، ومقترح دفع تكاليف هذين البرنامجين عن طريق فرض ضرائب أكبر على الطبقة الأكثر ثراء التي تمثل 1 في المئة، ووصف هذه الدعوات بأنها غير مجدية و«اشتراكية»، يتم قبولها من قبل الشباب والناخبين من الطبقة المتوسطة الذين يتلهفون للتغيير. وعندما ينتقد التأثير المفسد لـ«أموال الكبار» في السياسة الأميركية، يرد الناخبون بالموافقة. وبينما تشارف الانتخابات على دخول جولتها الأخيرة، من الواضح أنه ينبغي التعامل مع «ظاهرة ساندرز» بجدية. وعلى رغم أن المراقبين الإعلاميين والمؤسسة الديمقراطية يعتبرون أن المنافسة محسومة، ويدعون إلى انسحاب ساندرز من السباق، فهو يواصل إظهار القوة الانتخابية، بفوزه باثنتين من آخر 3 ولايات، و12 من آخر 20 ولاية جرت فيها الانتخابات.