الجريمة الجديدة التي هزت مجتمع الإمارات خلال الأسبوع الماضي، وهي مقتل الطفل (عبيدة) البالغ من العمر تسع سنوات، الذي فُقد مساء الجمعة 20 مايو الجاري في الشارقة، وتم العثور على جثة الطفل مرمياً أسفل إحدى الأشجار المحاذية لشارع المدينة الجامعية، تم القبض على المجرم، وأقر بجريمته كما بينت جهات الاختصاص، الذين نوجه لهم كل تحية لسرعة حل لغز هذه الجريمة النكراء التي لم نتعود عليها نحن في مجتمع السعداء، وقد تبين أن المجرم من ذوي السوابق قام مع شربه للخمر بارتكاب جريمته، من ممارسة للجنس، وخنق للطفل بعد أن هدد بفضح مطالبه. ناقوس الخطر تم دقه أكثر من مرة في مجتمعنا المسالم، الذي تعيش فيه أكثر من 200 جنسية في سعادة وأمان مجتمعي قل مثيله في العالم اليوم، بيد أن تكرار مثل هذه الجرائم يدفعنا للبحث في أعماقها كي نجتهد ما استطعنا في تجنب تكرارها. مجتمع الإمارات لم يعد ذلك المكان غير المعقد، بل هو خلية عالمية تعيش متفاعلة مع ما يجري في العالم الحقيقي والافتراضي، ومثل هذه الجرائم متعارف عليها في العالم، وفي الغالب يقوم بها أشخاص غير أسوياء، لو استطعنا فهمهم لتجنبنا شر أعمالهم. في ذلك الأسبوع كنت في زيارة لإحدى أهم المؤسسات المتخصصة في رعاية الأطفال في الإمارات، وهي "مؤسسة دبي لرعاية النساء والأطفال". مشروع حضاري فيه استجابة لواقع لم نتمنه في مجتمعنا، لكنه زمن فرض آلياته علينا، فلابد لهذا الواقع من استجابة مناسبة، حصلت من المؤسسة على بعض الإحصاءات المقلقة، إن أردنا أن نضعها في إطارها العلمي، والنظرة الشاملة لإحصاءات المؤسسة منذ تأسيسها في 2007 تبين أن مجموع الحالات التي تم التعامل معها جاوز 2500 حالة ما يقارب 700 ضحية احتاجت لإيواء داخل المؤسسة، والبقية تم تقديم الدعم لهم وهم في الخارج. ومن بين هذه الحالات أكثر من ألف هم ضحايا العنف المنزلي، و150 حالة سوء معاملة تعرض لها الأطفال. وكي تفهم "مؤسسة دبي لرعاية النساء والأطفال" حدود الظواهر التي تتعامل معها كلفت أهل الاختصاص بإجراء الدراسات العلمية لفهم هذه الظواهر، ففي دراسة د. فاكر الغرابية، والتي تم نشرها عام 2015 حول الإساءة ضد الأطفال في مجتمع الإمارات، وهي دراسة ميدانية على عينة بلغت 4111 من الأطفال المواطنين والمقيمين من عمر 10-18 سنة، خلصت الدراسة إلى أن أطفال المرحلة الإعدادية هم الأكثر عرضة للمشاكل، وأكثر أصناف الإساءة إلى الأطفال في المنازل انتشاراً هي الإساءة النفسية بنسبة 23? وأقلها الإساءة الجنسية بنسبة 15? أما الظواهر الأكثر انتشاراً في المدارس، فقد كانت الإساءة النفسية بنسبة 39? أما الإساءة الجنسية فقد حصدت نسبة 27?. والدراسة الثانية الصادرة عن المؤسسة نفسها عام 2015، تحت إشراف د. منى البحر، والتي كان من أهدافها معرفة حجم العنف والإساءة بمختلف أنواعها الواقعة على الأطفال الإماراتيين، خلصت إلى وجود أصناف من العنف تُمارس لكنها محدودة، ولله الحمد، بيد أنها تؤكد وجود نواة من العنف قابلة للانتشار إنْ لم ننجح كمجتمع في تنفيذ التوصيات التي خلصت لها تلك الدراسات، والتي من أهمها تنسيق الجهود بين المؤسسات المختلفة في مجتمعنا في مجال حقوق الطفل وإعداد برامج متكاملة ومتخصصة لوقاية الأطفال من العنف المحتمل، وهناك إجراءات وقائية متعارف عليها منها البحث عن أصحاب السوابق، قبل التعاقد معهم، أو السماح لهم بالعيش بيننا، ومنها فصل مناطق السكن عن المناطق الصناعية، إضافة لذلك تدريب الأطفال على قواعد الحفاظ على الذات.