في دورته الخامسة عشرة التي اختتمت مؤخراً في دبي، بدأ «منتدى الإعلام العربي» موفقاً كثيراً في العنوان الذي اختاره لهذا العام، وهو «الإعلام بأبعاد إنسانية»، ذلك أن أكثر ما ينقصنا اليوم هو زرع وتعزيز القيم الإنسانية النبيلة في نفوسنا، أو بصورة أدق أنسنة مشاعرنا، في مواجهة روح الشر والحقد والكراهية التي تحاول بعض الجماعات الدموية الموتورة غرسها في حياتنا، ونسبتها إلى عقيدتنا. وبطبيعة الحال، فإن خير من يقوم بهذه المهمة هي وسائل الإعلام بأدواتها وأشكالها المتنوعة، كونها تحتك بالجماهير على مدار الساعة، فيما الجماهير باتت أسيرة لأشكالها الحديثة ولا تجد بداً من التماهي معها. وإذا كان القائمون على المنتدى قد وُفقوا في اختيار العنوان، فإنهم وُفقوا أيضاً في اختيار البرامج ذات الصلة، وانتقاء الضيوف المتحدثين. فعلى سبيل المثال كان ضمن البرامج جلسة بعنوان «رسائل إنسانية» للناشطة الاجتماعية السعودية الأميرة أميرة الطويل، تحدثت فيها بعفوية ودون تكلف، وبلغة يسهل وصولها إلى عقول وقلوب المستمعين عن كيفية العمل الجماعي من أجل استنباط المعاني الإنسانية الجميلة التي يزخر بها ديننا، ونشرها على الملأ في أصقاع الدنيا كنوع من التصدي لما يروجه وحوش القرن الحادي والعشرين من أتباع تنظيمي «القاعدة» و«داعش» وإخوانهما. ومما قالته في هذا السياق إنه يجب أن نتوقف عن الدفاع عن ديننا بالطرق التقليدية، وأن نستعيض عنها بوسائل التواصل الاجتماعي السريعة، خصوصاً في ظل وجود أكثر من 280 مليون حساب على مواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي، مضيفة أنه لو قام كل واحد من هؤلاء بإرسال تغريدة واحدة كل يوم دفاعاً عن الإسلام بلغة إيجابية، وكشفاً لبؤس الإرهابيين الذين اختطفوا كلمة «الله أكبر» لصرنا في موقف أقوى. وكانت هناك أيضاً محاضرة ارتجالية للشيخ ماجد جابر الحمود الصباح من الكويت، والذي يعد من أنشط الشباب العرب في وسائل التواصل الاجتماعي، بل وتحظى تغريداته بمتابعة الملايين حول العالم، حيث قدم المتحدث فكرة شاملة عن تجربته في مواقع التواصل الاجتماعي التي بدأت بالتركيز على السفر والرحلات ومتع الحياة، ثم انتقلت إلى نشر رسائل تعليمية وتوعوية، وأخيراً تحولت إلى جسر إنساني يمتد من المغرب إلى إندونيسيا لنشر معاناة الفقراء والمعذبين ومساعدتهم وزرع الأمل في نفوسهم، عن طريق بث مقاطع فيديو للحالات الإنسانية التي تتطلب تدخلاً عاجلاً. وبما أن مراسلي وسائل الإعلام، ولاسيما المرئية منها، هم أكثر شهود العيان مصداقية لأن تقاريرهم عادة ما تكون مرفقة بالصور الحية التي لا تكذب ولا تبالغ ولا تفبرك، فقد كان عملاً صائباً ذلك الذي قام به مسؤولو المنتدى حينما خصصوا زاوية لمراسل قناة «العربية» في باريس «حسين فياض قنيبر»، ليتحدث بالصوت والصورة عن المآسي والآلام ومعاناة الجوع والعطش والتشريد والإذلال التي كابدها اللاجئون السوريون المتدفقون على أوروبا، حيث كان المراسل موجوداً معهم على الحدود اليونانية- المقدونية، وعلى الحدود المجرية، وعلى تخوم ألمانيا، ويحاول مساعدتهم قدر الإمكان عن طريق نقل مطالبهم البسيطة إلى السلطات المحلية باللغة التي يفهمونها، أو يتطوع لإحضار دواء لمريض، أو حليب لطفل، أو يقاوم الأسلاك الشائكة المانعة لوصول الطعام والشراب إلى مستحقيها برميها إليهم من فوق تلك الأسلاك اللعينة. لقد أثبت «قنيبر» وزملاؤه من خلال ما عرضوه من أفلام توثيقية أن المراسل الإعلامي الأمين والمجتهد، يمكن أن يلعب دوراً مؤثراً في تخفيف المعاناة الإنسانية لمن ينقل أخبارهم، وبالتالي فإن مهامه يجب ألا تقتصر على نقل الخبر والتعليق عليه فقط. وكما جرت العادة في جميع الدورات السابقة لمنتدى الإعلام العربي، كانت هناك زوايا مخصصة لبعض المؤلفين لتوقيع كتبهم وإهدائها مجاناً، حيث وقع الشاعر والأديب الإماراتي الأستاذ علي أبو الريش كتابه «الغربية طائر بثمانية أجنحة.. تأملات في فلسفة الزمان والمكان»، ووقع الإعلامي اللبناني «زافين قيومجيان» كتابه الجميل «أسعد الله مساءكم.. مئة لحظة صنعت التلفزيون في لبنان»، والذي يوثق فيه لتاريخ الإعلام المرئي في لبنان بالتدرج من البدايات إلى تليفزيون الستينات، فالعصر الذهبي، فتلفزيون الحرب. ولعل أكثر ما لفت النظر في الدورة الخامسة عشرة للمنتدى، هو أن كل ديكورات المكان الذي احتضن الفعاليات المختلفة كانت مصنوعة من الورق المقوى الذي أعيد تدويره بما في ذلك منصات العرض ومقاعد الجلوس والطاولات والحقائب، وصولاً إلى الغلاف الخارجي للذاكرة الوميضية (الفلاش ميموري)، التي تم توزيعها على المدعوين. وهذا بالطبع رسالة غير مباشرة لئن كانت تهدف إلى التشجيع على المحافظة على البيئة، فإنها أيضا توحي بأن دبي حريصة على أن تكون سباقة في هذا المجال أيضا. ومن محاسن الصدف أن تحل الذكر الخامسة عشرة لانطلاق أول صحيفة إلكترونية عربية وهي «صحيفة إيلاف» في اليوم الأخير لأعمال المنتدى، فوجدها مؤسسها الأستاذ عثمان العمير صاحب الكرم الحاتمي والذاكرة الحديدية فرصة أن يطفئ شموع صحيفته الخمسة عشرة وسط كوكبة من أبرز المثقفين والمفكرين ورفاقه من رجال الإعلام وسيداته وليقول لهم بيت الشعر الشهير لنزار قباني «صار عمري خمس عشرة.. صرت أحلى ألف مرة». وهو ما ينطبق أيضاً على منتدى الإعلام العربي.