حسب علم الفلك والكوسمولوجيا الكونية فالشمس التي نعيش حولها هي نجم في ركن مجرتنا «الطريق اللبني» وليست في مركز المجرة، ويوجد في مجرتنا نحو 100 مليار نجم مثل شمسنا التي ندور حولها. ومجرتنا الحبيبة تنتسب إلى عالم المجرات الذي يبلغ عدد المجرات فيه نحو 100 مليار مجرة (المليار يساوي ألف مليون). وبحسب ما يقول علماء الفلك فإن الكون الذي نعيش فيه يبلغ من العمر نحو 13,7 مليار سنة، وهو يتمدد منذ ذلك الوقت من دون توقف، مثل البالونة التي تنتفخ نحو مصير مجهول، ولم يستطع العلماء الكشف عن سر توجهه الأكيد حتى الآن. وهذه النظرية قال بها يوماً «جيوردانو برونو» فكلفته أن تلقي الكنيسة القبض عليه وبعد إذلال ثماني سنوات حكموا عليه بالحرق حياً! ولكن الرجل خاطب مجمع الكرادلة في لحظاته الأخيرة بقوله: «ربما كنتم يا من نطقتم الحكم بإعدامي أشد جزعاً وخشية مني أنا الذي تلقيته»! إن جيوردانو برونو وتحت سحر تأمل الكون قال إن الشمس لا تمثل شيئاً من هذا الكون الفسيح الممتد، من مجموعات شمسية لا يحصيها العدد، ولا ينفذ إليها البصر، ولا يصل إليها خيال. وتأمل أيها القارئ معي هذه الفقرة من كلامه التي كلفته حياته وهو في الثانية والخمسين من العمر: «هناك في الطبيعة أضداد، وقوى متعارضة، ومتناقضات، ولكن يعمل الكون بأسره بمشيئة الله فتتوافق كل المتضادات وتختفي، ووراء التنوع المحير الساحر في الطبيعة توجد هناك وحدة أروع وأشد عجباً، تظهر في كل الأجزاء وكأنها أعضاء في كائن واحد. إنها وحدة تسحرني، فأنا بقوة هذه الوحدة حر ولو كنت مستعبداً، سعيد في غمرة الحزن، غني في حمأة الفقر، حيٌ حتى في الموت». إن ما أطلق العقل الأوروبي بعد فترة التخمر من الفكر القديم، هو التخلص من بعض المسلَّمات العقلية، والعادات الفكرية، التي تشل التفكير وتمنع الإبداع، وإيجاد الحلول للمشاكل، بالسرعة المثلى، والمردود الأقصى. وما حرض «كوبرنيكوس» ومن بعده «تيكو براهى» و«كبلر» و«جاليلو» للوصول إلى تأمل جديد للكون، هو التخلص من ضغط المسلَّمات السابقة على العقل، حتى يعمل العقل بشكل علمي. إن هذه العقدة، عقدة ضيق الأفق، والتعصب الفكري، والوصاية على العقول، وتوهم احتكار الفهم النهائي والمطلق لكل شيء، تؤدي أحياناً إلى ادعاء القبض على الحقيقة المطلقة، وعدم قبول الآخر وكل من قد يختلف في التأويل، والفهم المغاير. ومن هنا تأتي أهمية ممارسة النقد الذاتي لأفكارنا من دون توقف، وبإصرار وبدون ملل ولا كلل، لأن قوانين الكون أعوص وأعقد مما قد نتصور، وكل ما نحصله من الكون هو في الواقع صور ذهنية لا أكثر، كما حصل مع جيل ما قبل «كوبرنيكوس» الذين تصوروا وجود كرة أرضية ثابتة هي مركز الكون، وأن كل الكون يدور حول هذا الكوكب. وعندما لجأ «فيساليوس» إلى التجربة ليرى طبيعة الجسم كما هو في الواقع اكتشف أن كل الفكر اليوناني كان يتكلم من الكتب والورق، من دون الاتصال بالواقع، بمن فيهم أسماء كبيرة من أمثال «جالينوس» وأبقراط. ومثل هذه الأسماء الكبيرة لجمت الحركة العلمية، ولذا كان لابد من كسر الأوهام المعرفية ليتحرك العقل. وإليك قصة في هذا الصدد: يروى أن شاحنة كبيرة مرتفعة مرت تحت جسر لا يلائم ارتفاعها، فانحبست تحت الجسر، واجتمع العديد من الناس لمحاولة شدها للخلف أو دفعها للأمام عبثاً، وهي تزداد استعصاءً، وكان طفل صغير يراقب المنظر فتقدم إلى رجل الشرطة الذي يشرف على عملية الإنقاذ الصعبة قائلاً: هل تسمح لي يا سيدي بالمشاركة؟ فحياه الشرطي مبتسماً من فضوله وجرأته: نعم هل عندك شيء؟ فقال الصبي: فَرِّغوا الإطارات من الهواء فتنخفض الشاحنة عن مستوى الجسر فتمشي بأي اتجاه ترغبون! وهكذا فعندما سمح الشرطي للطفل بإبداء رأيه أراحهم من ورطة كبيرة بفكرة مبدعة جديدة، والقصة تعني أن المشاكل الكبيرة يمكن حلها بأفكار صغيرة.